وأما قوله: (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) [الشرح 2، 3]، فقيل: ما سلف من ذنبك قبل النبوة، وهو قول ابن زيد، والحسن، ومعنى قول قتادة. وقيل: معناه أنه حفظ قبل نبوته منها، وعصم، ولولا ذلك لأثقلت ظهره، حكى معناه السمر قندي.
وقيل: المراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى بلغها، حكاه الماوردي، والسلمي.
وقيل: حططنا عنك ثقل أيام الجاهلية، حكاه مكي.
وقيل: ثقل شغل سرك وحيرتك وطلب شريعتك حتى شرعنا ذلك لك، حكى معناه القشيري.
وقيل المعنى: خففنا عليك، ما حملت بحفظنا لما استحفظت، وحفظ عليك.
ومعنى أنقض ظهرك، أي كاد ينقضه، فيكون المعنى على من جعل ذلك لما قبل النبوة - اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمور فعلها قبل نبوته، وحرمت عليه بعد النبوة، فعدها أوزارا، وثقلت عليه، وأشفق منها.
أو يكون الوضع عصمة الله له وكفايته من ذنوب لو كانت لانقضت ظهره.
أو يكون من ثقل الرسالة، أو ما ثقل عليه وشغل قلبه من أمور الجاهلية، وإعلام الله تعالى له بحفظ ما استحفظه من وحيه.
وأما قوله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) [التوبة 43] - فأمر لم يتقدم للنبي صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نهي فيعد معصية، ولا عده الله تعالى عليه معصية، لم يعده أهل العلم معاتبة.
وغلطوا من ذهب إلى ذلك، قال نفطويه وقد حاشاه الله تعالى من ذلك، بل كان مخيرا في أمرين، قالوا: وقد كان له أن يفعل ما شاء فيما لم ينزل عليه فيه وحي، فكيف وقد قال الله تعالى: (فأذن لمن شئت منهم) [النور 62]. فلما أذن لهم أعلمه الله بما لم يطلع عليه من سرهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا وأنه لا حرج عليه فيما فعل، وليس " عفا " هنا بمعنى غفر، بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق. ولم تجب عليهم قط، أي لم يلزمكم ذلك.
ونحوه للقشيري، قال: وإنما يقول العفو: لا يكون إلا عن ذنب - من لم يعرف كلام العرب، قال: ومعنى عفا الله عنك - أي لم يلزمك ذنبا.
قال الداودي: روي أنها تكرمة.
وقال مكي: هو استفتاح كلام، مثل أصلحك الله وأعزك.