قيل: هذا اللفظ شك من الراوي. وقد روى: " إني لا أنسى، ولكن لاسن ".
وذهب ابن نافع، وعيسى بن دينار أنه ليس بشك، فإن معناه التقسيم، أي أنسى أنا، أو ينسيني الله.
قال القاضي أبو الوليد الباجي: يحتمل ما قالاه أن يريد: أني أنسى في اليقظة، وأنسى في النوم، أو أنسى على سبيل عادة البشر من الذهول عن الشئ والسهو، وأنسى مع إقبالي عليه وتفرغي له، فأضاف أحد النسيانين إلى نفسه، إذ كان له بعض السبب فيه، ونفى الاخر عن نفسه، إذ هو فيه كالمضطر.
وذهبت طائفة من أصحاب المعاني والكلام على الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة ولا ينسى، لان النسيان ذهول وغفلة وآفة، قال: والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عنها، والسهو شغل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته، ويشغله عن حركات الصلاة ما في الصلاة، شغلا بها لا غفلة عنها.
واحتج بقوله في الرواية الأخرى: إني لا أنسى.
وذهبت طائفة إلى منع هذا كله عنه، وقالوا: إن سهوه عليه السلام كان عمدا وقصدا ليسن.
وهذا قول مرغوب عنه، متناقض المقاصد، لا يحلى منه بطائل، لأنه كيف يكون متعمدا ساهيا في حال. ولا حجة لهم في قولهم: إنه أمر بتعمد صورة النسيان ليسن، لقوله:
إني لانسى أو أنسى. وقد أثبت أحد الوصفين، ونفى مناقضة التعمد والقصد، وقال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى تنسون، [فإذا نسيت فذكروني].
وقد مال إلى هذا عظيم من المحققين من أئمتنا، وهو أبو المظفر الأسفرايني، ولم يرتضه غيره منهم، ولا أرتضيه، ولا حجة لهاتين الطائفتين في قوله: إني لا أنسى، ولكن أنسى، إذ ليس فيه نفي حكم النسيان بالجملة، وإنما فيه نفي لفظه وكراهة لقبه، كقوله: بئس ما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كذا، ولكنه نسي، أو نفي الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الصلاة عن قلبه، ولكن شغل بها عنها، ونسي بعضها ببعضها، كما ترك الصلاة يوم الخندق حتى خرج وقتها، وشغل بالتحرز من العدو عنها، فشغل بطاعة عن طاعة.
وقيل: إن الذي ترك يوم الخندق أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وبه احتج من ذهب إلى جواز تأخير الصلاة في الخوف، إذا لم يتمكن من أدائها إلى وقت الامن، وهو مذهب الشاميين.