شئت أعطيناك خزائن الدنيا (1)، ومفاتيحها لم نعطها أحدا قبلك، ولا نعطيها أحدا بعدك، لا ينقصك ذلك عند الله شيئا، فقال: (اجمعوها لي في الآخرة)، فأنزل الله (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) (2).
وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن عطاء بن يسار قال: تعرضت الدنيا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني لست أريدك، قالت: إن لم تردني فسيريدني غيرك) (3).
وروى أبو القاسم البغوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرشا فأبى أن يقبله، وقال: (لو [شئت] أن تسير معي جبال الذهب والفضة لسارت) (4).
وروى الإمام أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، عن أم عبد الله بنت شداد بن أوس رضي الله تعالى عنها أنها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره، وهو صائم فرد إليها رسولها، أنى لك هذا اللبن؟ قالت: من شاة لي، فرد إليها رسولها، أنى لك الشاة؟ فقالت: اشتريتها من مالي، فشرب منه، فلما كان من الغد أتته أم عبد الله، فقالت: يا رسول الله بعثت إليك بلبن، فرددت إلي الرسول فيه، فقال لها: (بذلك أمرت الرسل لا تأكل إلا طيبا، ولا تعمل إلا صالحا، ونسأل الله التوفيق ويرحم الله (البوصيري) حيث قال:
وراودته الجبال الشم من ذهب * عن نفسه فأراها أيما شمم وأكدت زهده فيها ضرورته * إن الضرورة لا تعدو على العصم وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من * لولاه لم تخرج الدنيا من العدم تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الزهد: بزاي مضمومة، فهاء ساكنة، فدال: زهد في الشئ تركه مع الرغبة فيه.
الورع: بفتح الواو والراء، التحرج ليخرج من الإثم والكف عما هو قاصده.
الفقر: بفاء مفتوحة، فقاف ساكنة، فراء: ضد الغنى، والفقير: من لم يجد كفاية عياله، أو لم يجد القوت، والمسكين: من أذله الفقر أو غيره من الأحوال، أو الصغير السن الذي لا حرفة له أوله حرفة لا تقع بحاجته موقعا، والمسكين: السائل، وله حرفة تقع موقعا ولا تغنيه، أو الفقير: من له بلغة والمسكين: لا شئ له، أو هو أحسن حالا من الفقير، أو هما سواء.