تنبيهات الأول: العقل مصدر في الأصل مأخوذ من عقل البعير، وهو منعه بالعقال من القيام، أو مأخوذ من الحجر وهو المنع: قال تعالى: (هل في ذلك قسم لذي حجر) [الفجرة]. لأنه يعقل صاحبه، ويحجره عن الخطأ، وهو مع البلوغ مناط التكليف.
الثاني اختلف في محله، فالجمهور من المتكلمين والشافعية أنه في القلب.
روى البخاري رحمه الله تعالى في الأدب والبيهقي في الشعب، بسند جيد، عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: العقل في القلب، والرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال، والنفس في الرئة (1). وأكثر الأطباء والحنفية أنه في الدماغ، واستدل الأولون بقوله تعالى: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) [الحج 46] وقال تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) [ق 37]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) (2) فجعل صلى الله عليه وسلم صلاح الجسد وفساده تابعا للقلب، مع أن الدماغ من جملة الجسد، ويجاب عن استدلال الأطباء أنه في الدماغ بأنه إذا فسد فسد العقل، بأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ، مع أن العقل ليس فيه، ولا امتناع في هذا.
الثالث: اختلف في ماهيته فقيل: هو التثبت في الأمور لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، وقيل: هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان.
وقال المحاسبي (3) رحمه الله تعالى: هو نور يفيد الإدراك، وذلك النور يقل، ويكثر، فإذا قوي منع ملاحقة الهوى.
وقال إمام الحرمين رحمه الله تعالى: العقل علوم ضرورية، يعطيها حواس السمع والبصر، والنطق، أو لا يكون كسبها من الحواس.
وقال صاحب القاموس العقل: العلم بصفات الأشياء من حسنها، وقبحها، وكمالها، ونقصانها، أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين، أو يطلق لأمور لقوة بها يكون التمييز بين القبح والحسن، ولمعان مجتمعه في الذهن، يكون بمقدمات تستتب بها الأغراض والمصالح، ولهيئة محمودة في الإنسان، في حركاته وسكناته، والحق أنه نور روحاني، به تدرك النفس العلوم الضرورية، والنظرية، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ.