منصورا عليهم بالرعب من مسيرة شهر، وكان وصف خلقه بالعظم ليشمل الإنعام والانتقام، وقيل: إنما وصف بالعظم لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، فإنه صلى الله عليه وسلم أدب بالقرآن، كما قالت عائشة رضي الله عنها فيما تقدم أول الباب.
وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما يرجع إلى قوته العلمية أنه عظيم: فقال تعالى (وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما) [النساء 113] ووصفه بما يرجع إلي قوته العلمية بأنه عظيم: فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) فدل مجموع هاتين الآيتين على أن روحه فيما بين الأرواح البشرية عظيمة الدرجة عالية.
الثالث: الخلق بضم أوله، وثانيه، ويجوز إسكانه: ملكة نفسية تسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة.
قال الإمام الراغب رحمه الله تعالى: الخلق والخلق - بالفتح والضم في الأصل - بمعنى واحد كالشرب والشرب، لكن خص الخلق الذي بالفتح بالهيئات والصور المدركة بالبصر وخص الخلق الذي بالضم بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة، واختلف هل حسن الخلق بالضم غريزة أو مكتسب، وتمسك من قال بأنه غريزة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه (إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم (1)) رواه البخاري.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: الخلق جبلة في نوع الإنسان، وهم في ذلك متفارقون، فمن غلب عليه شئ منها كان محمدا محمودا، وإلا فهو المأمور بالمجاهدة فيه حتى يصير محمودا، وكذا إن كان ضعيفا، فيرتاض صاحبه حتى يقوى.
وروى الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأشج - أشج عبد القيس -: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى ورسوله: الحلم والأناة)، قال: يا رسول الله قديما كان أو حديثا؟ قال: (قديما)، قال: الحمد لله الذي جبلني على جبلتين يحبهما الله تعالى) فترديد السؤال، وتقريره عليه، يشعر بأن من الخلق ما هو جبلي وما هو مكتسب، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي) رواه الإمام أحمد وابن حبان رحمة الله عليهما، وكان يقول في دعاء الافتتاح:
(واهدني لأحسن الأخلاق، إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت). رواه مسلم.
الرابع: قال بعض العلماء: جعل الله تعالى القلوب محل السرور، والإخلاص الذي هو