الغلام، وليس معه شئ، فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه أين البعير؟ فقال: ضل، فقام إليه يضربه، ويقول: بعير واحدة ضل منك لو لم يكن إلا أنا لهان الأمر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله، فجعل رسول الله صلى الله على وسلم يبتسم، ويقول: ألا ترون إلى هذا المحرم وما يصنع؟ فحمل جماعة جفنة من حيس وأقبلوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعوها بين يديه، فجعل يقول: يا أبا بكر هلم، فقد جاءك الله تعالى بغذاء طيب، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هون عليك، فإن الأمر ليس عليك، ولا إلينا معك، قد كان الغلام حريصا أن لا يضل بعيره، وهذا خلف مما كان معه)، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله، ومن كان معه وكل من كان يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شبعوا، ذكر في سيرته الحديث.
وذكر المحب الطبري رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، وأمر أصحابه بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله علي ذبحها، وقال آخر: يا رسول الله علي سلخها، وقال آخر: يا رسول الله علي طبخها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعلي جمع الحطب) فقالوا يا رسول الله: نكفيك العمل، فقال: (قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، وإن الله تعالى يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه).
تنبيهات الأول: حقيقة حسن الخلق قوى نفسانية تسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة، والآداب المرضية، فيصير ذلك كالخلقة في صاحبه، ويدخل في حسن الخلق التحرز عن الشح، والبخل، والكذب، وغير ذلك من الأخلاق المذمومة، ويسهل في حسن الخلق التحبب إلى الناس بالقول والفعل، والبذل، وطلاقة الوجه، مع الأقارب، والأجانب، والتساهل في جميع الأمور، والتسامح فيما يلزم من الحقوق، وترك التقاطع، والتهاجر، واحتمال الأذي من الأعلى والأدنى، مع طلاقة الوجه، وإدامة البشر - في هذه الخصال تجمع محاسن الأخلاق، ومكارم الأفعال، ولقد كان جميع ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهذا وصفه الله تعالى بقوله عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم) [ن 4].
الثاني: على في هذه الآية للاستعلاء، فدل اللفظ على أنه كان مستعليا على هذه الأخلاق، ومستوليا عليها، قال الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: وإنما كان خلقه عظيما لأنه لم يكن له همة سوى الله تعالى.
قال الإمام الحليمي عفا الله عنه: وإنما وصف خلقه بالعظم مع أن الغالب وصف الخلق بالكرم لأن كرم الخلق يراد به السماحة والدماثة، ولم يكن صلى الله عليه وسلم مقصورا على ذلك، بل كان رحيما بالمؤمنين، رفيقا بهم، شديدا على الكفار، غليظا عليهم، مهيبا في صدورهم،