إلا ما رجعت عن هذه النية وصرفت خاطرك عن هذا الأمر، فإنا نخاف ونخشى أن يخرج عنا أمر قد ملكناه الله وينزع منا (1) عزا ألبسناه الله تعالى ويتحول إلى غيرنا، وأنت تعلم ما بيننا وبين هؤلاء القوم وما كان عليه الخلفاء من بعدهم وقد كنا في وهلة (2) من عملك مع الرضا كما عملت حتى كفانا الله تعالى المهم (3) من ذلك، فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه (4) من أهل بيتك ممن يصلح لذلك.
فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بالأمر منكم.
وأما ما كان من استخلاف الرضا فقد درج الرضا إلى رحمة الله وكان أمر الله قدرا مقدورا.
وأما ابنه محمد فأخبرته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والحلم (5) والمعرفة والأدب مع صغر سنه، فقالوا: إن هذا صبى صغير السن وأي علم له اليوم أو معرفة أو أدب؟ فأمهله (6) يتفقه يا أمير المؤمنين ثم اصنع به ما شئت، قال: كأنكم تشكون في قولي إن شئتم فاختبروه أو ادعوا من يختبره ثم بعد ذلك لوموا فيه أو اعذروا، قالوا: وتتركنا وذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قالوا: فيكون ذلك بين يديك يترك من يسأله عن شيء من أمور الشريعة فإن أصاب لم يكن في أمره لنا اعتراض وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين، وإن عجز عن ذلك كفينا