الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ١٠٤٣
خطبه ولم يكن لأمير المؤمنين عذر في ذلك، فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم فخرجوا من عنده.
واجتمع رأيهم على القاضي يحيى بن أكثم (1) أن يكون هو الذي يسأله ويمتحنه وقرروا ذلك مع القاضي يحيى ووعدوه بأشياء كثيرة متى قطعه وأخجله، ثم عادوا إلى المأمون وسألوه أن يعين لهم يوما يجتمعون فيه بين يديه لمسألته، فعين لهم يوما فاجتمعوا في ذلك اليوم بين يدي أمير المؤمنين المأمون، وحضر العباسيون ومعهم القاضي يحيى بن أكثم، وحضر خواص الدولة وأعيانها من أمرائها وحجابها وقوادها، وأمر المأمون بأن يفرش لأبي جعفر محمد الجواد (عليه السلام) فرشا حسنا وأن يجعل عليه مسورتان (2)، ففعل ذلك، وخرج أبو جعفر فجلس بين المسورتين، وجلس القاضي يحيى مقابله، وجلس الناس في مراتبهم على قدر طبقاتهم ومنازلهم.
فأقبل يحيى بن أكثم على أبي جعفر فسأله عن مسائل أعدها له، فأجاب (3)

(1) هو يحيى بن أكثم التميمي القاضي كان متكلما، عالما فقيها في عصره، أحد وزراء المأمون قاضيا في العراقيين. انظر ترجمته في ابن خلكان والمسعودي والأعلام للزركلي.
(2) مسور: متكأ من جلد. وفي (أ): مصورتان... المصورتين.
(3) نورد نص المسألة التي أوردها يحيى بن أكثم وجواب الإمام (عليه السلام) له عنها وذلك من إرشاد الشيخ المفيد:
2 / 283 - 286.
قال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال له أبو جعفر (عليه السلام): سل شئت، قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قبل صيدا؟
فقال له أبو جعفر: قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطا؟ حرا أو خطا؟ حرا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان أم كبيرا؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم كبارها؟ مصرا على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟
فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم:
أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟
ثم أقبل على أبي جعفر (عليه السلام) فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي وإن رغم قوم لذلك.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): الحمد لله إقرارا بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته، وصلى الله على محمد سيد بريته والأصفياء من عترته.
أما بعد، فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمآئكم إن يكونوا فقرآء يغنهم الله من فضله والله وسع عليم) ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد (عليهما السلام) وهو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟
قال المأمون: نعم، قد زوجتك أبا جعفر أم الفضل ابنتي على هذا الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟
قال أبو جعفر (عليه السلام) قد قبلت ذلك ورضيت به.
فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة.
قال الريان: ولم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم، فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الإبريسم على عجل مملوءة من الفالية، فأمر المأمون أن تخضب لحى لخاصه من تلك الغالية، ثم مدت إلى دار العامة فطيبوا منها، ووضعت الموائد فأكل الناس، وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم، فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي قال المأمون لأبي جعفر: إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه ونستفيده.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): نعم، إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان كبارها فعليه شاة، فإن كان أصحابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل فد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبيا فعليه شاة، فإن قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، أصاب الحرم يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه للعمرة نحره بمكة. وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد له المأثم، وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة.
فقال له المأمون: أحسنت أبا جعفر أحسن الله إليك، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك.
فقال: أبو جعفر ليحيى: أسألك؟
قال: ذلك إليك جعلت فداك فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا ستفدته منك.
فقال له أبو جعفر (عليه السلام): خبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار... الخ.
(١٠٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1038 1039 1040 1041 1042 1043 1045 1046 1047 1048 1049 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الفصل الثاني: في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 685
2 فصل: في نسبه، وكنيته، ولقبه، وصفاته الحسنة 692
3 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) 697
4 فصل: في علمه (عليه السلام) 702
5 فصل: في عبادته وزهادته (عليه السلام) 705
6 فصل: في جوده وكرمه (عليه السلام) 707
7 فصل: في شيء من كلامه (عليه السلام) 710
8 فصل: في ذكر طرف من أخباره (عليه السلام) ومدة خلافته 713
9 فصل: في ذكر وفاته ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 734
10 فصل: في ذكر أولاده (عليه السلام) 742
11 الفصل الثالث: في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 753
12 فصل: في ذكر نسبه وكنيته ولقبه (عليه السلام) 755
13 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من جهة النبي (صلى الله عليه وآله) 756
14 فصل: في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته (عليه السلام) 763
15 فصل: في ذكر كرمه وجوده (عليه السلام) 767
16 فصل: في ذكر شيء من محاسن كلامه وبديع نظامه (عليه السلام) 770
17 فصل: في ذكر مخرجه (عليه السلام) إلى العراق 776
18 فصل: في ذكر مصرعه ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 809
19 ذكر من قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) ومن أهل بيته ومواليه 842
20 فصل: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم أفضل السلام 851
21 الفصل الرابع: في ذكر علي بن الحسين (عليهما السلام) 853
22 الفصل الخامس: في ذكر أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) 877
23 الفصل السادس: في ذكر أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) 907
24 الفصل السابع: في ذكر أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) 931
25 الفصل الثامن: في ذكر أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) 965
26 ذكر ولاية العهد من المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) 1005
27 الفصل التاسع: في ذكر أبي جعفر محمد الجواد بن علي الرضا (عليهما السلام) 1033
28 الفصل العاشر: في ذكر أبي الحسن علي المعروف بالعسكري (عليه السلام) 1061
29 الفصل الحادي عشر: في ذكر أبي محمد الحسن الخالص بن علي العسكري (عليه السلام) 1077
30 الفصل الثاني عشر: في ذكر أبي القاسم محمد 1095
31 علامات قيام القائم ومدة أيام ظهوره (عليه السلام) 1123
32 الفهارس 1137
33 فهرس الآيات 1139
34 فهرس الأحاديث الشريفة 1157
35 فهرس الأسماء و الكنى و الألقاب 1205
36 فهرس المذاهب والفرق 1323
37 فهرس الجماعات والقبائل والأقوام 1327
38 فهرس الأماكن والبلدان 1335
39 فهرس الحوادث والغزوات والحروب والوقائع 1349
40 فهرس الأشعار 1353
41 فهرس المنابع والمآخذ 1369