الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ١٠٢٥
عشر يوما، ثم خرج (1) محمد الأمين من الحبس وبويع له ثانية وبقي سنة وسبعة (2) أشهر وثلاثة وعشرين يوما، وقتلهطاهر بن الحسين، ثم ملك بعده المأمون - عبد الله المأمون - ابن هارون الرشيد عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوما واستشهد الرضا (عليه السلام) في أيامه (3).
(١) في (أ): أخرج.
(٢) في (ج): ستة.
(٣) تقدمت استخراجاته، وانظر على سبيل المثال كشف الغمة: ٢ / ٣١١ و ٣١٢، إعلام الورى: ٣١٣، دلائل الإمامة: ١٧٥.
فالرشيد هو الذي حصد شجرة النبوة واقتلع غرس الإمامة... على حد تعبير الخوارزمي، والذي لم يكن يخاف الله، وأفعاله بأعيان آل علي (عليه السلام) وهم أولاد بنت نبيه... لغير جرم تدل على عدم خوفه من الله تعالى. انظر الفخري في الآداب السلطانية: ٢٠. ويقول أحمد شلبي في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية: ٣ / ٣٥٢ " كان الرشيد يكره الشيعة ويقتلهم ". وقد أقسم على استئصالهم وكل من يتشيع لهم فقال ".. حتام أصبر على آل بني أبي طالب والله لأقتلنهم، ولأقتلن شيعتهم ولأفعلن وأفعلن... كما ينقله صاحب الأغاني: ٥ / ٢٢٥.
وقد أخرجهم جميعا من بغداد إلى المدينة كرها لهم ومقتا، كما جاء في الكامل لابن الأثير: ٥ / ٨٥ و تاريخ الطبري: ١٠ / ٦٠٦. وقد وصفه صاحب العقد الفريد في: ١ / ١٤٢ بأنه كان شديد الوطأة على العلويين يتتبع خطواتهم ويقتلهم. وأمر عامله على المدينة بأن يضمن العلويون بعضهم بعضا كما يقول الكندي في الولاة والقضاة: ١٩٨.
وأما حياة الأمين فقد رفض النساء، واشتغل بالخصيان، ووجه إلى البلدان في طلب الملهين واستخف حتى بوزرائه، وأهل بيته كما وصفه صاحب مآثر الإنافة: ١ / ٢٠٥، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: ٢٠١، ومختصر أخبار الدول: ١٣٤، والكامل لابن الأثير: ٥ / ١٧٠.
وقد وصفه البلاذري في التنبيه والأشراف: ٣٠٢ بأنه قبيح السيرة، ضعيف الرأي، سفاكا للدماء، يركب هواه ويهمل أمره ويتكل في جليلات الأمور على غيره. وأضاف القلقشندي في معالم الخلافة:
١ / ٢٠٤ بقوله " منهما في اللذات واللهو ". وفي مختصر أخبار الدول: ١٣٤، والآداب السلطانية: ٢١٢ بلفظ " لم يجد للأمين شيئا من سيرته يستحسنه، فيذكره ".
أما إبراهيم فيقول فيه الطبري في تاريخه: ٩ / ٩٧٤، و: ١٠ / ٢٥، وابن الأثير في الكامل:
٤ / ٢٩٥، وابن كثير في البداية والنهاية: ١٠ / ٢٨ و ٦٤، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة: ٢ / ١١٤، والنزاع والتخاصم للمقريزي: ٤٥، والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ٤ / ٤٧٩، وشرح النهج للمعتزلي: ٣ / ٢٦٧، وضحى الإسلام: ١ / ٣٢ " أمر بقتل كل من شك فيه، أو وقع في نفسه شيء منه وإن استطاع أن لا يدع بخراسان من يتكلم بالعربية إلا قتله فليفعل، وأي غلام بلغ خمسة أشبار يتهمه فليقتله، وأن لا يخلي من مضر ديارا... وإبراهيم هذا من أصحاب المزامير والبرابط ويقول فيه دعبل:
نعر ابن شكلة بالعراق وأهله * فهفا إليه كل أطلس مائق إن كان إبراهيم مضطلعا بها * فلتصلحن من بعده لمخارق ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل * ولتصلحن من بعده للمارق أنى يكون وليس ذاك بكائن * يرث الخلافة فاسق عن فاسق مخارق وزلزل والمارق: هؤلاء الثلاثة كانوا مغني في ذلك العصر.
انظر وفيات الأعيان: ١ / ٨، الورقة لابن الجراح: ٢٢، معاهد التنصيص: ١ / ٢٠٥، الشعر والشعراء: ٥٤١، الكنى والألقاب للمحدث الشيخ عباس القمي: ١ / ٣٣٠، شرح ميمية أبي فراس:
٢٨١، البداية والنهاية لابن كثير: ١٠ / ٢٩٠، نزهة الجليس: ١ / ٤٠٤، عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٦٦.
وقال دعبل عند ما سمع بأن الخليفة لامال عنده ليعطي الجند الذين ألحوا في طلب أعطياتهم قال:
فليخرج الخليفة إلينا، فليغن لأهل هذا الجانب ثلاث أصوات فتكون عطاءهم، ولأهل هذا الجانب مثلها:
يا معشر الأجناد لا تقنطوا * خذوا عطاياكم ولا تسخطوا فسوف يعطيكم حنينية * لا تدخل الكيس ولا تربط والمعيديات لقوادكم * ومابها من أحد يغبط فهكذا يرزق أصحابه * خليفة مصحفه البربط موقف الشيعة من بيعة المأمون للإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد صحيح أن المأمون أقدم على قرار خطير في سنة (٢٠١ ه) إذ استدعى الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وبايعه في ولاية العهد، وأعلن أنه يعيد الحق إلى نصابه، وأنه يصل الأرحام التي قطعت منذ سنوات عديدة كما يقول الجهشياري في كتابه الوزراء والكتاب: ٣١٢، لكن هذا يثير تساؤلات كثيرة منها: هل أن المأمون أقدم على هذا العمل نتيجة رد فعل الحركات الشيعية التي شهدها العصر العباسي بشكل م وعصره بشكل خاص؟ وهل كان المأمون صادقا فيما أقدم عليه؟ وهل كان اندفاعه هذا باقتناعه بأحقية البيت العلوي بالخلافة؟ أم كان كل ذلك سياسة ووسيلة لتدعيم نفوذه وتثبيت أركان خلافته؟
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات نبدأ باستعراض آراء المؤرخين والكتاب من كل الفرق والاتجاهات حتى نستطيع أن نستشف الدوافع الحقيقية لبيعة المأمون بولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).
يذكر الطبري في تاريخه: ٧ / ١٣٥ وابن الأثير في الكامل: ١ / ١١١ واليعقوبي في تاريخه:
٣ / ١٧٦ أن الدافع هو أن المأمون نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه.
ويرى أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: ٤٥٤ أن المأمون كان خلال صراعه مع أخيه الأمين قد عاهد الله أن ينقل الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب وأن علي الرضا هو أفضل العلويين إن ظفر بالمخلوع.
ويذهب السيوطي في تاريخ الخلفاء: ٣٠٧ مذهبا آخر وهو أن المأمون قد حمله على ذلك إفراطه في التشيع، حتى قيل إنه هم أن يخلع نفسه ويفوض الأمر إليه - أي إلى الإمام الرضا -.
وأما الفخري في الآداب السلطانية: ١٩٨ فيري أن المأمون فكر في حال الخلافة بعده وأراد أن يجعلها في رجل يصلح لها لتبرأ ذمته.
ويرى الشيخ المظفري في تاريخ الشيعة: ٥١ أن المأمون كان مدفوعا في البيعة لعلي الرضا بولاية العهد بدافع سياسي هو حماية مصالح الدولة العباسية، لأن المأمون من رجال الدهاء والسياسة.
ويرى كاتب آخر هو أن المأمون وضع الإمام الرضا تحت رقابة الخليفة ومنعه من القيام بحركة علوية جديده ذكر ذلك هاشم معروف الحسني في عقيدة الشيعة الإمامية: ١٦١.
ويرى الدكتور النشار في نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام: ٢ / ٣٩١ أن المأمون أدرك خطورة الدعوة الإسماعيلية فأراد أن يقضي عليها وكان الإمام عبد الله الرضي بدأ نشاطا واسعا ولذا قرب المأمون إليه علي الرضا وبايعه بولاية العهد.
أما الإجابة على التساؤلات بعد عرض آراء المؤرخين فنقول: إن المأمون كان قد برع في العلوم والفنون ولذا قال الدميري في حياة الحيوان: ١ / ٧٢: لم يكن في بني العباس أعلم من المأمون. وقال عنه ابن النديم في الفهرست: ١٧٤ بأنه أعلم الخلفاء بالفقه والكلام. وقال عنه فريد وجدي في دائرة المعارف الإسلامية: ١ / ٦٢٠ بأنه لم يل الخلافة بعد الخلفاء الراشدين أكفأ منه. وقد ورد في مناقب آل أبي طالب: ٢ / ٢٧٦ رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) وهو يصف خلفاء بني العباس " سابعهم أعلمهم " ووصفوه بأنه داهية بني العباس. كما ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد: ١ / ١٢٣، والجهشياري في الوزراء والكتاب: ٣١١ أنه يقتل الفضل ويبكي عليه ويقتلقتلته، ويقتل الإمام الرضا ثم يبكي عليه، ويقتل طاهرا ويولي أبناءه مكانه، ويقتل أخاه ويوهم أن الذنب في ذلك على الفضل وطاهر، وهذا مما يدل على دهائه وحنكته وسياسته.
ونحن نميل إلى الرأي الذي يقول إن اقدام المأمون على البيعة لعلي الرضا بولاية العهد ونقله بذلك الخلافة من البيت العباسي إلى البيت العلوي كان بدوافع سياسية، إذ أراد تدعيم خلافته وتجنب قيام المزيد من الحركات الشيعية في وجهه، كما أراد إرضاء أهل خراسان، ولذا اتخذ مرو بخراسان مركزا لخلافته، لأنه تولى الخلافة في فترة قلقة حرجة سادت فيها الاضطرابات والقلاقل في إرجاء الدولة وبدأت هذه الفترة عندما جعل الرشيد ولاية العهد لابنه الأمين سنة (١٧٣ ه) فقدمه على المأمون رغم صغر سنة. وقد ندم الرشيد على ذلك في أواخر عهده كما يقول ابن الأثير في الكامل: ٦ / 75 وأبو المحاسن في النجوم الزاهرة: 2 / 138. ولذا في سنة (183 ه) بايع الرشيد لابنه المأمون وولاه من حد همدان إلى آخر الشرق، وقد عبر عن هذا الندم بقوله للأصمعي - كما ورد في مروج الذهب للمسعودي:
3 / 363 -: قد عنيت بتصحيح هذا العهد وتصييره إلى من أرضى سيرته...
ولم يقتصر الرشيد في تولية العهد لابنيه الأمين والمأمون بل تعدى الأمر إلى ابنه القاسم الذي ولاه