وساق جواده إلى نحو وجهته (1) وكان معه بزاة الصيد، فلما بعد عن العمارة أخذ الخليفة بازيا منها وأرسل على دراجة فغاب البازي عنه قليلا، ثم عاد وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا (2) من الحياة، فتعجب المأمون من ذلك غاية العجب ثم أنه أخذ السمكة في يده وكر راجعا إلى داره وترك الصيد في ذلك اليوم وهو متفكر فيما صاده البازي من الجو، فلما وصل موضع الصبيان وجدهم على حالهم ووجد محمدا معهم فتفرقوا على جاري عادتهم إلا محمد [ا] فلما دنا منه الخليفة قال: يا محمد، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال ما في يدي؟ فأنطقه الله تعالى بأن قال: إن الله تعالى خلق في بحر قدرته المستمسك في الجو ببديع حكمته سمكا صغارا تصيدها (3) منها بزاة [الملوك] والخلفاء كي يختبر بها سلالة بيت المصطفى. فلما سمع المأمون كلامه تعجب منه وأكثر وجعل يطيل النظر فيه وقال: أنت ابن الرضا حقا ومن بيت المصطفى صدقا، وأخذه معه وأحسن إليه وقربه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه، فلم يزل مشغفا به لما ظهر له أيضا بعد ذلك من بركاته ومكاشفاته وكراماته وفضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنه.
ولم يزل المأمون متوفرا على تبجيله وإعظامه وإجلاله وإكرامه (4) إلى أن عزم على أنه يزوجه ابنته أم الفضل وصمم على ذلك، فبلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم واستكبروه (5) وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما إنتهى مع أبيه الرضا، فاجتمع الأكابر من العباسيين الدالين على الخليفة ودخلوا عليه وقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين