سبيل الفساد والعناد، وصير نفسه أخس العباد.
فمن حقق نظره واستعمل فكره، وجد نفسه أجهل الجاهلين بعظمة هذا العظيم.
فلا يقدره أحد قدره ولا يعرفه سواه، وإن قربه وأدناه فسبحانه ما أثنى عليه حق ثنائه غيره، ولا وصفه بما يليق به سواه عجز الأنبياء والمرسلون عن ذلك، قال أجلهم قدرا وأرفعهم محلا وأبلغهم نطقا، مع ما أعطي من جوامع الكلم: (لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).
ومن تأمل كلام الله - عز وجل - وجده محشوا بتنزيهه تارة بالتصريح، وتارة بالتلويح، وتارة بالإشارات، وتارة بما تقصر عنه العبارات.
وهؤلاء (1) العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين قربوا من درجة النبوة، لأنهم دلوا الناس على ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، ويرجح مدادهم على دم الشهداء، ويستغفر لهم من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء، وهم أمناء الله - عز وجل - في أرضه، وأحدهم على الشيطان أشد من ألف عابد.
وقد قيل في قوله تعالى: {رب زدني علما} (2): أي زدني علما بالقرآن ومعانيه.
وهؤلاء لهم علم لدني يرد على قلوبهم من غيب الهدى، لها جولان في الملكوت، فترجع إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يلقي إليها عالم علمه.