غيره خيرا منه كانتقاله من أدنى مياه بدر إلى أقربها للعدو من قريش وكقوله: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى) ويبسط وجهه للكاف والعدو رجاء استئلافه ويصبر للجاهل ويقول: (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشر) ويبذل له الرغائب ليحبب إليه شريعته ودين ربه ويتولى في منزله ما يتولى الخادم من مهنته، ويتسمت في ملاءته حتى لا يبدو منه شئ من أطرافه وحتى كأن على رؤس جلسائه الطير ويتحدث مع جلسائه بحديث أولهم ويتعجب مما يتعجبون منه ويضحك مما يضحكون منه وقد وسع الناس بشره وعدله لا يستفزه
الغضب ولا يقصر عن الحق ولا يبطن على جلسائه يقول: (ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين) فإن قلت فما معنى قوله لعائشة رضي الله عنها في الداخل عليه (بئس ابن العشيرة) فلما دخل الآن له القول وضحك معه، فلما خرج سألته عن ذلك قال: (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره، وكيف جاز أن يظهر له خلاف ما يبطن ويقول في ظهره ما قال؟ فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم كان استئلافا لمثله وتطييبا لنفسه ليتمكن إيمانه ويدخل في الإسلام بسببه أتباعه ويراه مثله فينجذب بذلك إلى الإسلام، ومثل هذا على هذا الوجه قد خرج من حد مداراة الدنيا إلى السياسة الدينية وقد كان يستألفهم بأموال الله العريضة فكيف بالكلمة اللينة؟ قال صفوان لقد أعطاني وهو أبغض الخلق إلى فما زال يعطيني حتى صار أحب
____________________
(قوله في مهنته) بفتح الميم وكسرها: أي خدمته (قوله ويتسمت) أي يقصد سمته (قوله في ملاءته بضم الميم والمد