فاعلم وفقنا الله وإياك أن هذا الحديث صحيح متفق عليه وقد طعنت فيه الملحدة وتدرعت به لسخف عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشرع وقد نزه الله الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبسا وإنما السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته * وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولا يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شئ من تبليغه أو شريعته أو يقدح في صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا وإنما هذا فيما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ولا فضل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان وأيضا فقد فسر هذا الفضل الحديث الآخر من قوله (حتى يخيل إليه أنى يأتي أهله ولا يأتيهن) وقد قال سفيان: هذا أشد ما يكون من السحر ولم يأت في خير منها أنه نقبل عنه في ذلك قول بخلاف ما كان أخبر أنه فعله ولم يفعله وإنما كانت خواطر وتخييلات. وقد قيل إن المراد بالحديث أنه كان يتخيل الشئ أنه فعله وما فعله لكنه تخييل لا يعتقد صحته فتكون اعتقاداته كلها على السداد وأقواله على الصحة، هذا ما وقفت عليه لأئمتنا من الأجوبة عن هذا الحديث مع ما أوضحنا من معنى كلامهم وزدناه بيانا من تلويحاتهم وكل وجه منها مقنع لكنه قد ظهر لي في الحديث تأويل أجلى وأبعد من مطاعن
____________________
(قوله وتدرعت) أي لبست الدرع