هداية المصطفى وتنزيهه عن الهوى وصدقه فيما تلا وأنه وحى يوحى أوصله إليه عن الله جبرئيل وهو الشديد القوى ثم أخبر تعالى عن فضيلته بقصة الإسراء وانتهائه إلى سدرة المنتهى وتصديق بصره فيما رأى وأنه رأى من آيات ربه الكبرى وقد نبه على مثل هذا في أول
سورة الإسراء، ولما كان ما كاشفه صلى الله عليه وسلم من ذلك الجبروت وشاهده من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ولا تستقل بحمل سماع أدناه العقول رمز عنه تعالى بالإيماء والكناية الدالة على التعظيم فقال تعالى (فأوحى إلى عبده ما أوحى) وهذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد والبلاغة بالوحي والإشارة وهو عندهم أبلغ أبواب الإيجاز وقال لقد رأى من آيات ربه الكبرى انحسرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى وتاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى، قال القاضي أبو الفضل اشتملت هذه الآيات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته صلى الله عليه وسلم وعصمتها من الآفات في هذا المسرى فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه، فقلبه بقوة تعالى (ما
كذب الفؤاد ما رأى) ولسانه بقوله (وما ينطق عن الهوى) وبصره بقوله (ما زاغ البصر وما طغى * وقال تعالى (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس) إلى قوله (وما هو بقول شيطان رجيم)
____________________
(قوله الجبروت) هو فعلوت من الجبر وهو القهر كالملكوت من الملك، والرهبوت من الرهبة، والرحموت من الرحمة (قوله رمز عنه) الرمز الإشارة.