ذلك بدقة أفهام العرب وذكاء ألبابها ووفور عقولها وأنهم أدركوا المعجزة فيه بفطنتهم وجاءهم من ذلك بحسب إدراكهم، وغيره من القبط وبنى إسرائيل وغيرهم لم يكونوا بهذه السبيل بل كانوا من الغباوة وقلة الفطنة بحيث
جوز عليهم فرعون أنه ربهم وجوز عليهم السامري ذلك في العجل بعد إيمانهم وعبدوا المسيح مع إجماعهم على صلبه (وما
قتله وما صلبوه ولكن شبه لهم)، فجاءتهم من الآيات الظاهرة البينة للأبصار بقدر غلظ أفهامهم ما لا يشكون فيه ومع هذا فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ولم يصبروا على المن والسلوى واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، والعرب على جاهليتها أكثرها يعترف بالصانع وإنما كانت تتقرب بالأصنام إلى الله زلفى ومنهم من آمن بالله وحده من قبل
الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل عقله وصفاء لبه، ولما جاءهم الرسول بكتاب الله فهموا حكمته وتبينوا بفضل إدراكهم لأول وهلة معجزته فآمنوا به وازدادوا كل يوم إيمانا ورفضوا الدنيا كلها في صحبته وهجروا ديارهم وأموالهم
وقتلوا آباءهم وأبناءهم في نصرته، وأتى في معنى هذا بما يلوح له رونق ويعجب منه زبرج لو احتيج إليه وحقق، لكنا قدمنا من بيان معجزة
نبينا صلى الله عليه وسلم وظهورها ما يغنى عن ركوب بطون هذه المسالك وظهورها وبالله استعين وهو حسبي ونعم الوكيل
____________________
(قوله من الغباوة) بفتح الغين المعجمة عدم الفطنة (قوله السامري) كان اسمه موسى بن ظفر وكان من عظماء بني إسرائيل (قوله زبرج) بكسر الزاي بعدها موحدة ساكنة فراء مكسورة فجيم هي الزينة من وشى أو جوهر أو ذهب ثم بحمد الله الجزء الأول، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني