تبكي يا أبت لا أبكى الله لك عينا؟ فقال الحسين: يا بني إنها ساعة لا تكذب فيها الرؤيا، أعلمك أني رأيت فارسا على فرس حتى وقف علي فقال: يا حسين! إنكم تسرعون المسير والمنايا بكم تسرع إلى الجنة، فعلمت أن أنفسنا قد نعيت إلينا.
فقال له ابنه: يا أبت ألسنا على الحق؟ قال: بلى يا بني والذي ترجع العباد إليه!
فقال علي (1) رضي الله عنه: إذا لا نبالي بالموت. فقال الحسين: جزاك الله عني يا بني خيرا جزي به ولد عن والد.
قال: فلما أصبح الحسين وإذا برجل من الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي أتاه فسلم عليه ثم قال: يا بن بنت رسول الله! ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال الحسين: يا أبا هرة! إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم الله يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية!
وليلبسهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا، وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهن فحكمت في أموالهم وفي دمائهم.
قال: وسار الحسين حتى نزل الشقوق (2) فإذا هو بالفرزدق بن غالب الشاعر قد أقبل عليه فسلم ثم دنا منه فقبل يده، فقال الحسين: من أين أقبلت يا أبا فراس؟
فقال: من الكوفة يا بن بنت رسول الله! فقال: كيف خلفت أهل الكوفة؟ فقال:
خلفت الناس معك وسيوفهم مع بني أمية، والله يفعل في خلقه ما يشاء! فقال:
صدقت وبررت، إن الأمر لله يفعل ما يشاء وربنا تعالى كل يوم هو في شأن، فإن نزل القضاء بما نحب (3) فالحمد لله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد (4) من كان الحق نيته (5)، فقال الفرزدق: يا بن بنت رسول الله! كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم قد قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل و شيعته؟ قال: فاستعبر الحسين بالبكاء ثم قال: رحم الله مسلما! فلقد صار إلى