جزاك الله خيرا يا (1) بن عم! فقد علمت أنك أمرت بنصح، ومهما يقضي الله من أمر فهو كائن أخذت برأيك أم تركته. قال: فانصرف عنه عمر (2) بن عبد الرحمن وهو يقول:
رب مستنصح سيعصي ويؤذى * ونصيح بالغيب يلفي نصيحا (3) قال: وقدم ابن عباس في تلك الأيام إلى مكة، وقد بلغه أن الحسين عليه السلام يريد أن يصير إلى العراق، فأقبل حتى دخل عليه مسلما، فقال:
جعلت فداك يا بن بنت رسول الله! إنه قد شاع الخبر في الناس وأرجفوا بأنك سائر إلى العراق، فبين لي ما أنت صانع! فقال الحسين: نعم، إني أزمعت (4) على ذلك في أيامي هذه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله. فقال ابن عباس رحمه الله:
أعيذك بالله من ذلك! فإن تصر إلى قوم قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا (5) عدوهم، في مسيرك إليهم لعمري الرشاد والسداد، وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم قاهر لهم وعمالهم يجبون بلادهم، وإنما دعوك إلى الحرب والقتال، وإنك تعلم أنه بلد قد قتل فيه أبوك واغتيل فيه أخوك وقتل فيه ابن عمك وبويع (6) يزيد بن معاوية، وعبيد الله بن زياد في البلد يعطي ويفرض، والناس اليوم إنما هم عبيد الدينار والدرهم، ولا آمن عليك أن تقتل، فاتق (7) الله والزم هذا الحرم (8). فقال له الحسين: والله أن أقتل بالعراق أحب إلي من أن أقتل بمكة، وما قضى الله فهو كائن، وأنا مع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون (9).