قال: فنظر إليه الأشتر فإذا هو غلام حدث، فاستحيى أن يقدم عليه وتنحى وأقبل على ابنه إبراهيم وقال: يا بني! اخرج إلى هذا الفتى فإنه من أقرانك! قال:
فخرج إليه إبراهيم بن الأشتر وهو يقول:
يا أيها السائل عني لا ترع * أثبت فإني من عرانين النخع لكي (1) ترى وطعن العراقي الجذع * أو أن تراني في الوغى كيف أقع (2) قال: وتطاردا جميعا، وشد عليه إبراهيم بن الأشتر فطعنه طعنة دق منها ظهره. واختلط الفريقان فاقتتلوا قتلا شديدا وكثر القتل في أهل الشام، واستحيوا أن يولوا الادبار، فلم يزل يصابر بعضهم بعضا إلى أن جاء الليل فحجز بين الفريقين.
وانصرف (3) أهل الشام يومهم ذلك حتى إذا أصبح (4) القوم وثبوا فعبوا صفوفهم.
قال: فدعا معاوية برجل من سادات أهل الشام من بني عبس يقال له عقيل بن مالك، وكان من نساك أهل الشام، فقال معاوية: خبرني عنك، ما الذي يمنعك من قتال علي وأصحابه وأنت فارس أهل الشام؟ فقال: يمنعني والله من ذلك شك قد خامر قلبي يوم التقى عمرو بن العاص وعمار بن ياسر وذو الكلاع وأبو نوح، ثم أنشأ يقول:
أه بطعن القوم ثم يكفني * عن القوم جزل في الفؤاد دخيل أخاف التي فيها الهلاك وإنني * عن الترك للحرب العوان ثقيل أأطعن عليا بالصواب موكلا * وذاك الذي يقنى إليه يؤول وليس بأهل للخطاء وإنني * لتلك التي تسمو بها لبخيل وقلت لنفسي إذ خلوت ببثها * لك الخير قولي في البلا وأقول فجاءت بما لا ينبغي فرددتها * وردي عليها ما علمت طويل وقلت لها هاتي من الناس مثله * فجاشت وقالت إنهم لقليل