ووسع لها في النفقة - والسلام -.
قال: فأرسل إليها عامل الكوفة فأقرأها الكتاب وأمرها بالرحيل، فقالت الزرقاء: إن كان أمير المؤمنين قد جعل الخيار إلى فأنا (1) لا أحب المصير إليه، وإن كان أمرا حتما فالطاعة أولى.
قال: فحملها عامل الكوفة في هودج من عصب اليمن مبطنا بالبياض، وفرش لها اللين، وضم إليها جماعة من بني عمها وأمرهم بالمسير بها إلى الشام، ودخلت على معاوية فقال: مرحبا مرحبا وحبا وقربا! قدمت خير مقدم قدمة وافد! كيف أنت يا خالة؟ فقالت: بخير يا أمير المؤمنين! أدام الله لك النعمة. قال: فكيف كنت؟
قالت (2): كنت كأني ربيت في بيت ممهد، فقال معاوية: بذلك أمرناهم، أتدرين فيما ذا بعثت إليك؟ قالت الزرقاء: وأنى لي بعلم الغيب! فقال معاوية: ألست الراكبة الجمل الأحمر الوافقة بين الصفين في يوم كذا وكذا تحرضين (3) على الحرب وتقولين كيت وكيت؟ قالت: بلى، قد كان ذلك، قال معاوية، فما الذي حملك على ذلك؟ قالت: حسبك يا أمير المؤمنين! فقد مات الرأس وبقي (4) الذنب ولن يعود ما ذهب، والدهور عجب ولا يعتب من عتب، ومن تفكر أبصر والزمان (5) ذو غير، والامر يحدث بعده الامر، فقال معاوية: لله أنت يا زرقاء فهل تحفظين كلامك بصفين؟ فقالت: لا والله ما أحفظه، وإنما كان ذلك تحريضا نطق به اللسان، فقال معاوية: لكني والله أحفظه عليك حتى ما يشذ على منه شيء، ووالله يا زرقاء! لقد شاركت عليا في كل دم سفكه بصفين، فقالت الزرقاء: أحسن الله بشارتك وأدام سلامتك فمثلك بشر بخير، فقال معاوية: أو يسرك ذلك يا زرقاء؟ فقالت: نعم والله لقد سرني وأني لي بتصديق ذلك! ثم قال: والله يا زرقاء! إن وفاءكم لعلي بعد موته لا عجب من محبتكم له في حياته، وقد جئنا بك يا زرقاء وجشمناك السفر البعيد، ولكن اذكري حاجتك، فقالت الزرقاء: هيهات! إني لا أسأل رجلا عتب علي شيئا أبدا، ومثلك أعطى من غير مسألة وجاد من غير طلبة، قال معاوية: