كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٣ - الصفحة ٨٨
ووسع لها في النفقة - والسلام -.
قال: فأرسل إليها عامل الكوفة فأقرأها الكتاب وأمرها بالرحيل، فقالت الزرقاء: إن كان أمير المؤمنين قد جعل الخيار إلى فأنا (1) لا أحب المصير إليه، وإن كان أمرا حتما فالطاعة أولى.
قال: فحملها عامل الكوفة في هودج من عصب اليمن مبطنا بالبياض، وفرش لها اللين، وضم إليها جماعة من بني عمها وأمرهم بالمسير بها إلى الشام، ودخلت على معاوية فقال: مرحبا مرحبا وحبا وقربا! قدمت خير مقدم قدمة وافد! كيف أنت يا خالة؟ فقالت: بخير يا أمير المؤمنين! أدام الله لك النعمة. قال: فكيف كنت؟
قالت (2): كنت كأني ربيت في بيت ممهد، فقال معاوية: بذلك أمرناهم، أتدرين فيما ذا بعثت إليك؟ قالت الزرقاء: وأنى لي بعلم الغيب! فقال معاوية: ألست الراكبة الجمل الأحمر الوافقة بين الصفين في يوم كذا وكذا تحرضين (3) على الحرب وتقولين كيت وكيت؟ قالت: بلى، قد كان ذلك، قال معاوية، فما الذي حملك على ذلك؟ قالت: حسبك يا أمير المؤمنين! فقد مات الرأس وبقي (4) الذنب ولن يعود ما ذهب، والدهور عجب ولا يعتب من عتب، ومن تفكر أبصر والزمان (5) ذو غير، والامر يحدث بعده الامر، فقال معاوية: لله أنت يا زرقاء فهل تحفظين كلامك بصفين؟ فقالت: لا والله ما أحفظه، وإنما كان ذلك تحريضا نطق به اللسان، فقال معاوية: لكني والله أحفظه عليك حتى ما يشذ على منه شيء، ووالله يا زرقاء! لقد شاركت عليا في كل دم سفكه بصفين، فقالت الزرقاء: أحسن الله بشارتك وأدام سلامتك فمثلك بشر بخير، فقال معاوية: أو يسرك ذلك يا زرقاء؟ فقالت: نعم والله لقد سرني وأني لي بتصديق ذلك! ثم قال: والله يا زرقاء! إن وفاءكم لعلي بعد موته لا عجب من محبتكم له في حياته، وقد جئنا بك يا زرقاء وجشمناك السفر البعيد، ولكن اذكري حاجتك، فقالت الزرقاء: هيهات! إني لا أسأل رجلا عتب علي شيئا أبدا، ومثلك أعطى من غير مسألة وجاد من غير طلبة، قال معاوية:

(1) العقد: فإني لا آتيه.
(2) الصبح: قالت: ربيبة بيت أو طفلا ممهدا.
(3) العقد والصبح: تحضين.
(4) العقد والصبح: وبتر.
(5) العقد والصبح: والدهر.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر وقعة الماء وهي أول وقعة صفين 5
2 ذكر الوقعة الثانية بصفين 14
3 ذكر ما جرى بعد ذلك من الكلام 51
4 حديث خالد بن المعمر السدوسي 55
5 ثم رجعنا إلى الخبر 56
6 حديث سودة بنت عمارة الهمذانية مع معاوية 59
7 ثم رجعنا إلى الخبر 61
8 حديث أم سنان المذحجية مع معاوية 65
9 ثم رجعنا إلى الخبر من صفين 68
10 ذكر ما جرى من المناظرة بين أبي نوح وذي الكلاع الحميري 71
11 ذكر ما كان بعد ذلك من القتال 81
12 حديث عدي بن حاتم الطائي مع معاوية 82
13 ثم رجعنا إلى الخبر 83
14 حديث الزرقاء بنت عدي الهمذانية مع معاوية 87
15 ثم رجعنا إلى الخبر 89
16 ثم رجعنا إلى الخبر 103
17 حديث عبد الله بن هاشم مع معاوية 124
18 ثم رجعنا إلى الخبر 126
19 ذكر مقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب 128
20 ذكر ما كان بعد ذلك من القتال 131
21 خبر عرار بن الأدهم 141
22 ذكر ما جرى من الكتب بين علي بن أبي طالب وبين معاوية وعمرو بن العاص وابن عباس لما عضهم سلاح أهل العراق 149
23 ذكر مقتل عمار بن ياسر رحمه الله 158
24 ذكر القوم الذين أنفذهم معاوية إلى علي بن أبي طالب يكلمونه في ضع الحرب 168
25 ذكر تحريض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على القتال 171
26 ذكر تحريض معاوية أصحابه على القتال 172
27 ذكر الواقعة الخميسية وهي وقعة لم يكن بصفين أشد منها وصفة ليلة الهرير 174
28 ذكر صفة ليلة الهرير 180
29 ذكر رفع المصاحف على رؤوس الرماح 181
30 ذكر امتناع القوم من القتال 182
31 ثم رجعنا إلى الخبر 188
32 ذكر ما كان بعد ذلك بينهم من المكاتبة 191