قال: فلما تنحى حريث من بين يدي معاوية أخذ بيده عمرو بن العاص فقال:
أما والله يا حريث! لو كنت قرشيا لأحب معاوية أن تقتل عليا ولكنه قد علم أنك عبده فلم يختر أن يكون لك هذا الحظ، فانظر إن أصبت فرصة من علي فاقدم عليه ولا يهولنك، فإنما هو رجل مثلك.
قال: وخرج حريث وجعل يجول في ميدان الحرب ويسأل البراز، ونظر إليه علي رضي الله عنه فعلم أنه حريث غلام معاوية، فخرج إليه علي رضي الله عنه على فرس أدهم وهو متعمم بعمامة صفراء لكيلا يعرف، ونظر إليه حريث فناداه: أيها الفارس! لقد أسلمك علي إلى الموت إذ أخرجك إلى مثلي، ثم جاوله، وجعل علي أنشأ يقول:
أنا الغلام العزيز المنتسب * من خير عود في مضاض المطلب يا أيها العبد اللئيم (1) المنتدب * إن كنت للموت محبا فاقترب وأثبت رويدا أيها الكلب الكلب * أولا فول هاربا ثم انقلب قال: فعلم عمرو أنه علي فصاح بحريث وقال: يا حريث! دونك الرجل لا يفوتنك، فحمل حريث على علي رضي الله عنه، وداخله علي بالسيف فضربه ضربة أطار بها قحف رأسه، فسقط حريث إلى الأرض قتيلا، ثم أنشأ علي يقول:
ألا احذروا في حربكم أبا الحسن * ولا تروموه فدام الغبن فإنه يدقكم دق الطحن * ولا يخاف الهياج من ومن وقد غزا في الناس في وقت اللبن قال: فعلم معاوية أنه علي فاغتم علي حريث غما شديدا، ثم أقبل على عمرو فقال: والله يا هذا! ما قتل حريثا أحد سواك، لأني أعلم أنك أنت الذي غررته وألقيته في مخاليب الأسد، ثم أنشأ معاوية يقول:
حريث ألم تعلم وعلمك (2) ضائر * بأن عليا للفوارس قاهر وأن عليا إن (3) يبارز فارسا * من الناس إلا أقصدته الأظافر أمرتك أمرا حازما فعصيتني * فجدك إذ لم تقبل النصح عاثر