النزال حتى لقد استحييت من قريش (1)، قال: فقال له أخوه عتبة: اله عن كلام علي حتى كأنك لم تسمعه، فإنك تعلم أنه قد قتل غلامك حريثا وفضح عمرو بن العاص وليس أحد من العرب يقدم على مبارزة علي رضي الله عنه إلا وهو من نفسه آيس، فإياك ومبارزته! فإنه والله لئن برزت إليه لا شممت رائحة الحياة بعدها أبدا.
قال: وجعل (2) أهل الشام ينهون معاوية عن مبارزة علي، فقام أبرهة بن الصباح الحميري فقال: يا هؤلاء! أظن أن الله تبارك وتعالى قد أذن في هلاككم، ويحكم! خلوا بين الرجلين فليقتتلا، فأيهما (3) قتل صاحبه ملنا معه جمعيا. فبلغ قوله عليا رضي الله عنه فقال: صدق أبرهة، والله ما سمعت بخطبة مذ وردت الشام أنا بها أشد سرورا مني بهذه الخطبة! قال: فقال معاوية لأصحابه: نحوا هذا واجعلوه في آخر الصفوف، فإني أظنه مصابا في عقله، فقالت أهل الشام: لا والله يا معاوية! ما أبرهة بالمصاب في عقله وإنه لأكملنا عقلا ورأيا ودينا وفهما، ولكنك كاره في مبارزة علي. قال: فجعل معاوية وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم يشتمون أبرهة بن الصباح ويلومونه على ما قال، فأنشأ أبرهة في ذلك يقول:
وقال أبرهة الصباح قولا * فخالفه معاوية بن حرب لان الحق أوضح من غرور * وأن الحق يدفع كل حرب (4) فكم بين المنادى من بعيد * ومن يغشى الحروب بكل عضب ومن يبغي اللقاء ومن يلاقي * باسماح الطعان ولفح ضرب (5) أيشتمني معاوية بن حرب * وما شتمي له سخط بربي وعمرو إن يفارقه بقول * لان ذراعه بالعذر رحب وإني إن أفارقهم بديني * لفي سعة إلى شرق وغرب قال: فأرسل معاوية إلى أبرهة بن الصباح فترضاه ببر بعثه إليه، فرضي.