وكم ذم الدنيا وحكامها وقصر مدتها، وأشاد بالآخرة وبين منزلتها ورتبها وفضيلة العاملين لها، بقوله تعالى:
(وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) (1) بالمقايسة لدرجات وتفضيل البشر في هذه الدنيا المؤقتة، كل ذلك يريد الله ان يذكر به عباده المخلصين المؤمنين كي لا يتغلب عليهم الهوى وتتحكم فيهم غرائز النفس الامارة بالسوء، من غريزة حب النفس وحب الطموح، وما فيها من الأنانية والكبرياء، وما تستلزمه لبلوغها من الظلم للفرد والجماعة، والتعدي على نفوس الآخرين وحقوقهم، وأعراضهم، وسحق الحق، وما يستلزمه من كل الاعمال الدنيئة، من كذب، ونفاق، وخداع وشره وخسة ومكر، تحت لواء السياسة، والظهور بمظهر القدرة، والسطوة، يلقبهم بها من اتبعهم لبلوغ المأرب والغايات المؤقتة الفاسدة ويا ويل من اعترضهم وانتقدهم أو رد عليهم، ولم يعتبروا بالماضي، ولا يمنعهم ضمير حي ووجدان صادق، ودين مستحكم.
كل ذلك وهم يلبسون أعمالهم بعد ذلك برقعا مزركشا، وهل تخفى الحقائق؟
لا، أبدا وسيدركون يوم الحساب من شهادة أعضائهم وجوارحهم عليهم قوله تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم) (2) بل هم في الدنيا لا يفارقهم الخزي والعار وان هي إلا أيام معدودات ثم مأواهم التراب وبعدها اللعن والقذف.