انه أسلم وهو ابن عشر لم يلزم ما قاله الجاحظ، لان ابن عشر قد يستجمع عقله، ويعلم من مبادئ المعارف ما يستخرج به كثيرا من الأمور المعقولة، ومتى كان الصبي عاقلا مميزا كان مكلفا بالعقليات، وان كان تكليفه بالشرعيات موقوفا على حد آخر وغاية أخرى، فليس بمنكر ان يكون علي (عليه السلام) وهو ابن عشر قد عقل المعجزة، فلزمه الاقرار بالنبوة، وأسلم اسلام عالم عارف، لا اسلام مقلد تابع، وان كان ما نسقه الجاحظ وعدده من معرفة السحر والنجوم والفصل بينهما وبين النبوة، ومعرفة ما يجوز في الحكمة مما لا يجوز، وما لا يحدثه إلا الخالق، والفرق بينه وبين ما يقدر عليه القادرون بالقدرة، ومعرفة التمويه والخديعة والتلبيس والمماكرة، شرطا في صحة الاسلام لما صح اسلام أبي بكر ولا عمر ولا غيرهما من العرب، وانما التكليف لهؤلاء بالجمل ومبادئ المعارف لا بدقائقها والغامض منها، وليس يفتقر الاسلام إلى أن يكون المسلم قد فاتح الرجال وجرب الأمور ونازع الخصوم، وانما يفتقر إلى صحة الغريزة وكمال العقل وسلامة الفطرة، ألا ترى ان طفلا لو نشأ في دار لم يعاشر الناس بها، ولا فاتح الرجال ولا نازع الخصوم، ثم كمل عقله وحصلت العلوم البديهية عنده، لكان مكلفا بالعقليات!
فاما توهمه ان عليا (عليه السلام) أسلم عن تربية الحاضن، وتلقين القيم، ورياضة السائس، فلعمري ان محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) كان حاضنه وقيمه وسائسه، ولكن لم يكن منقطعا عن أبيه أبي طالب، ولا عن اخوته طالب وعقيل وجعفر، ولا عن عمومته وأهل بيته، وما زال مخالطا لهم، ممتزجا بهم، مع خدمته لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فما باله لم يمل إلى الشرك وعبادة الأصنام لمخالطته اخوته وأباه وعمومته وأهله، وهم كثير، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واحد!
وأنت تعلم ان الصبي إذا كان له أهل ذوو كثرة، وفيهم واحد يذهب إلى رأي مفرد، لا يوافقه عليه غيره منهم، فإنه إلى ذوي الكثرة أميل، وعن ذي الرأي الشاذ