الطبع من الممتنع، وما يحدث بالاتفاق مما يحدث بالأسباب، وعرف قدر القوى وغاية الحيلة ومنتهى التمويه والخديعة، وما لا يحتمل ان يحدثه الا الخالق سبحانه، وما يجوز على الله في حكمته مما لا يجوز وكيف التحفظ من الهوى والاحتراس من الخداع، لكان كونه على هذه الحال وهذه مع فرط الصبا والحداثة وقلة التجارب والممارسة خروجا من العادة، ومن المعروف مما عليه تركيب هذه الخلقة، وليس يصل أحد إلى معرفة نبي وكذب متنبئ، حتى تجتمع فيه هذه المعارف التي ذكرناها، والأسباب التي وصفناها وفصلناها، ولو كان علي (عليه السلام) على هذه الصفة ومعه هذه الخاصية لكان حجة على العامة وآية تدل على النبوة، ولم يكن الله عز وجل ليخصه بمثل هذه الأعجوبة إلا وهو يريد أن يحتج بها، ويجعلها قاطعة لعذر المشاهد وحجة على الغائب. ولولا ان الله أخبر عن يحيى بن زكريا أنه آتاه الحكم صبيا، وانه أنطق عيسى في المهد ما كانا في الحكم (ولا في المغيب) (1)، الا كسائر الرسل، وما عليه جميع البشر. فإذا لم ينطق لعلي (عليه السلام) بذلك قرآن، ولا جاء الخبر به مجئ الحجة القاطعة والمشاهدة القائمة، فالمعلوم عندنا في الحكم ان طباعه كطباع عميه حمزة والعباس، وهما أمس بمعدن جماع الخير منه، أو كطباع جعفر وعقيل من رجال قومه وسادة رهطه. ولو أن انسانا ادعى مثل ذلك لأخيه جعفر أو لعميه حمزة والعباس، ما كان عندنا في أمره الا مثل ما عندنا فيه (2).
أجاب شيخنا أبو جعفر (رحمه الله)، فقال: هذا كله مبني على أنه أسلم وهو ابن سبع أو ثمان، ونحن قد بينا انه أسلم بالغا ابن خمس عشرة سنة أو ابن أربع عشرة سنة، على انا لو نزلنا على حكم الخصوم، وقلنا ما هو الأشهر والأكثر من الرواية، وهو