اختلفوا في أول الناس اسلاما، فقال قوم: أبو بكر، وقال قوم: زيد بن حارثة، وقال قوم: خباب بن الأرت. وإذا تفقدنا اخبارهم، وأحصينا أحاديثهم، وعددنا رجالهم ونظرنا في صحة أسانيدهم، كان الخبر في تقدم اسلام أبي بكر أعم ورجاله أكثر، وأسانيده أصح، وهو بذاك أشهر، واللفظ فيه أظهر، مع الاشعار الصحيحة، والاخبار المستفيضة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته، وليس بين الاشعار والاخبار فرق إذا امتنع في مجيئها، وأصل مخرجها التباعد والاتفاق والتواطؤ، ولكن ندع هذا المذهب جانبا، ونضرب عنه صفحا، اقتدارا على الحجة، ووثوقا بالفلج والقوة، ونقتصر على أدنى نازل في أبي بكر، وننزل على حكم الخصم.
فنقول: انا وجدنا من يزعم أنه أسلم قبل زيد وخباب ووجدنا من يزعم أنهما أسلما قبله، وأوسط الأمور أعدلها، وأقربها من محبة الجميع، ورضا المخالف، أن نجعل اسلامهم كان معا، إذ الاخبار متكافئة والآثار متساوية على ما تزعمون، وليست احدى القضيتين أولى في صحة العقل من الأخرى، ثم نستدل على امامة أبي بكر بما ورد فيه من الحديث وبما أبانه به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من غيره.
قالوا: فمما روي من تقدم اسلامه ما حدث به أبو داود وابن مهدي عن شعبة، وابن عيينة، عن الجريري، عن أبي هريرة، قال أبو بكر: أنا أحقكم بهذا الامر - يعني الخلافة - ألست أول من صلى.
روى عباد بن صهيب، عن يحيى بن عمير، عن محمد بن المنكدر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " ان الله بعثني بالهدى ودين الحق إلى الناس كافة، فقالوا: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت ".
وروى يعلى بن عبيد، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فسأله: من كان أول الناس اسلاما؟ فقال: أما سمعت قول حسان بن ثابت: