وكم كان لذلك الصرف وتلك السهام من الآثار العظيمة لو بقيت تصرف في سبيل ذلك، وربما أشاد من أراد الاطناب بحكمة الخليفتين ونسب لهما بذلك العظمة بأن الاسلام أصبح عزيزا وانها كلمة تقال بيد أنها أضرت بالاسلام، وكم وقع مثل ذلك التباني بين الخليفتين، وكم أول ويؤول من الكتاب والشعراء مساوئهم حسنات دون المقارنة وتمحيص الحقائق، وقد نقل ابن أبي الحديد في الجزء الثاني عشر لشرح النهج ص 10 من المجلد الثالث، كما نقل العسقلاني في اصابته ما يلي:
" جاء عتيبة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر فقالا له:
ان عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة وإن رأيت أن تقطعناها لعل الله ينفع بها بعد اليوم، فقال أبو بكر لمن حوله: ما تقولون؟ فقالوا لا بأس فكتب لهما كتابا فانطلقا إلى عمر ليشهد لهما فيه فأخذه منهما ثم تفل فيه فمحاه، وتذمرا وقالا له مقالة سيئة ثم ذهبا إلى أبي بكر متذمرين، وقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟! فقال: بل هو.
وجاء عمر حتى وقف على أبي بكر وهو مغضب، فقال أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين أهي لك خاصة أم بين المسلمين؟! فقال: بل بين المسلمين. فقال: ما حملك على أن تخص بها هذين؟ قال: استشرت الذين حولي فقال: أوكل المسلمين وسعتهم مشورة ورضى؟ فقال أبو بكر: فقد كنت قلت لك انك أقوى على هذا الامر مني لكنك غلبتني ".
فانظر إلى هذا الحوار وتعال معي إلى حوار قبله حول ما عمله خالد مع مالك بن نويرة وقد ثبت أنه قتل مسلما وأنه نزا على زوجته، كيف قابلها بها أبو بكر عمر ورده رغم ثبوته، ثم نتسائل عن مشورة المسلمين وهل صح أن يستشير أبو بكر المسلمين جميعا في مسائله الكبيرة والصغيرة وأخص منها هذه التافهة التي ثبت نفعها للمسلمين فهي سبخة لا تنتج، وباقطاعه إياهما فقد أنتج شيئا، وقبله