تصل بها مدارج المعاجز وخوارق العادة فتصنع من النقطة غديرا، ومن القبة جملا لا سيما إذا جاء من بعدهم من اعتنق نفس المبدأ وحمل ذات العقيدة أو كان يهمه الامر كأبيه أو شريكه في السلوك والهدف.
وأما إذا انخذل واندحر ووقع الأمر بيد خصومه وأعدائه فلا تجد كرامة أو فضيلة له إلا وأصبحت شعوذة ورذيلة، وكل حسنة أصبحت سيئة، وما كانت غلطة صغيرة، خلقت منها جرائم ومساوئ عظيمة ووصم بما تشمئز منه النفوس وتذعر منه العقول.
وأقربها إلينا الحرب العالمية الثانية، وكيف برز فيها رجلها هتلر وبلغ مصاف الدهاة وخلقت له في حياته الأساطير في شجاعته وتقدمه وسطوته وحكمته هو وأعوانه وشعبه، فكانوا مطمح العالم وسادته وقادته، تلهج بذكرهم الألسن وتطنب بأعمالهم، وخلقت منهم أبطالا عجزت عن وصفها الأقلام، وذهلت لسطوتها الأعلام، وبالغت في تعظيم صغائرها وتمجيد معايبها.
حتى إذا نكبت وغلبت وثقلت خصومها، واندحرت بعد الانتصار، وتخاذلت بعد الافتخار، وتقهقرت بعد تقدمها أفل نجمها الساطع، وانطمست اعلامها الزاهية، عادت أمجادها ذميمة، ومحاسنها رميمة، حيث ساد الند واندحر الود. وهكذا التاريخ أكثره على هذه الشاكلة كثيرا ما تطمس فيه الحقائق، وتشوه الوقائع، ويعاب المظلوم إذا اندحر، ويرفع الظالم إذا ظهر، إلا إذا فحصناها بعين البصيرة، ودققناها بحسن سريرة، وأزلنا ما يخامرها من شوائب وينوبها من نوائب. هكذا كانت وقائع صدر الاسلام بعد وفاة رسول الله سيد الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم)، سلب منصب الخلافة، والناس رغم أنهم جديدو العهد بالإسلام عرفوا كثيرا عن وصايا رسول الله في علي وعترته. ومن لم يهمه أن يسلب ذلك الحق البارز، والمنصب السامي، ويخالف حدود الله وسنن رسوله يهون عليه كل شئ بعد هذا،