الحاضر منهم الغائب وهكذا كان. لذا ترى المسلمين بعد انتشارهم وبث ما وقع ثبت لديهم أن الخليفة بعد رسول الله إنما هو علي وعترته من بعده كما سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث الثقلين: " اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ". وإذا بهم بعد هذا تنتشر الأخبار بحادثة السقيفة وانتخاب أبي بكر خليفة، ذلك الذي لم تكن له في حياة رسول الله أية سابقة تذكر من هذا الوجه، ولم يكن له فضل على بقية الصحابة من المهاجرين والأنصار، ولم تكن له ميزة تؤهله لتسنم هذا المنصب الذي قد أيقنوا أنه أسند إلى ابن عمه وزوج بضعته وأبي عترته، صاحب الفضائل والكرامات عند الله وعند رسوله، ولم يكن ابن نويرة بالبعيد عن هذه الحوادث أو الذي يجهلها وهو سيد من سادات العرب الذي وثق به رسول الله وقربه وأتمنه على الأموال، وهو بعد ذلك سيد من سادات قومه وهذا ما دعاه كما دعا غيره للتأمل والحيطة فيمن قد خلف رسول الله، ومن هو الذي ستقر له العرب بهذه الإمامة، ولم يكن مالك بن نويرة - الذي خالجه هذا الفكر وانتظر - ليعرف إلى من تحمل الأموال والزكاة، وهذه لم ترق للهيئة والحزب الذي سيطر على الحكم بتلك الكيفية التي ذكرها في الفتنة الكبرى (السقيفة) فهم الذين اغتصبوا أكبر مسند في العالم من صاحبه، وجاؤوا لإحراق بيته وفيه بضعة الرسول وعترته، وفيه علي أخو رسول الله وخليفته الذي نص عليه ووصيه وقائد الغر المحجلين، وأضرموا النار وعصروا الزهراء الطاهرة بين الحائط والباب حتى أسقطت محسنا، وأخذوا عليا حاسر الرأس حافي القدمين قهرا وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وكادوا أن يقتلوه لولا الزهراء التي جاءت بثلة من نساء القوم وأنقذته من القتل. هذا مالك يأبى دفع الزكاة إلى الحزب المجتري على صاحب الخلافة الحقة، وهؤلاء اليوم بيدهم الحل والعقد بعد أن رأوا عليا صابرا محتسبا لم يجرد في وجوههم السيف ولم يقاتلهم وهم يعلمون أن علة سكوته هي أنه لا يريد ذلك إلا حرصا منه على بيضة الاسلام من التضعضع
(٤٢٩)