على الله (1).
وقال البخاري: فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله. ذكره في كتاب الإيمان.
(١) قوله صلى الله عليه وسلم: " فإذا فعلوا ذلك "، فيه التعبير بالفعل عما بعضه قوله، إما على سبيل التغليب، وإما على إرادة المعنى الأعم، إذ القول فعل اللسان.
قوله صلى الله عليه وسلم: " عصموا " أي منعوا، وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء.
قوله صلى الله عليه وسلم: " حسابهم على الله "، أي في أمر سرائرهم، ولفظة " على " مشعرة بالإيجاب، وظاهرها غير مراد، فإما أن تكون بمعنى اللام، أو على سبيل التشبيه، أي هو كالواجب على الله في تحقيق الوقوع، وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر، والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم، خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة، وقد تقدم فيه، ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد، الملتزمين للشرائع، وقبول توبة الكافر من كفره، من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن.
فإن قيل: مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف ترك مؤدي الجزية والمعاهد؟
الجواب من أوجه:
أحدها: دعوى النسخ، بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهد متأخرا عن هذه الأحاديث، بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى: (اقتلوا المشركين).
ثانيها: أن يكون من العام الذي خص منه البعض، لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب. فإذا تخلف البعض لدليل لم يقدح في العموم.
ثالثها: أن يكون من العام الذي أريد به الخاص، فيكون المراد بالناس في قوله صلى الله عليه وسلم " أقاتل الناس "، أي المشركين من غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسائي بلفظ: " أمرت أن أقاتل المشركين ". فإن قيل: إذا تم هذا في أهل الجزية، لم يتم في المعادين ولا فيمن منع الجزية، أجيب بأن الممتنع في ترك المقاتلة رفعها لا تأخيرها مدة كما في الهدنة، ومقاتلة من امتنع من أداء الجزية، بدليل الآية.
رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها، التعبير عن إعلاء كلمة الله، وإذعان المخالفين، فيحصل في بعض بالقتل، وفي بعض بالجزية، وفي بعض بالمعاهدة.
خامسها: أن يكون المراد بالقتال هو، أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها.
سادسها: أن يقال الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام وسبب السبب سبب، فكأنه قال: حتى يسلموا أو يلتزموا بما يؤديهم إلى الإسلام، وهذا أحسن، ويأتي فيه ما في الثالث وهو آخر الأجوبة. والله تعالى أعلم (فتح الباري): ١ / ١٠٢ - ١٠٥، كتاب الإيمان باب (17) (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)، حديث رقم (25).