إيضاح وتبيان قد استشكل ظاهر قوله: لكل نبي دعوة يدعو بها، إنما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة، ولا سيما نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه ظاهره أن لكل نبي دعوة واحدة مجابة فقط، والجواب: أن المراد بالإجابة الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعوات فهو على رجاء الإجابة، وقيل: مضى قوله: لكل نبي دعوة أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخر، وقيل: لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم أو بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب. وقيل: لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه، كقول نوح عليه السلام: (لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) (1)، وقول زكريا عليه السلام: (فهب لي من لدنك وليا) (2)، وقول سليمان عليه السلام: (وهب لي ملكا لا ينبغي من بعدي) (3)، حكاه ابن التين.
وقال بعض شراح (المصابيح): إعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة، والمراد بهذا الحديث أن لكل نبي دعاء على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع، فأعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم، والمراد بالأمة: أمة الدعوة لا أمة الإجابة، وتعقبه الطيبي بأنه صلى الله عليه وسلم دعا على أحياء من العرب، ودعا على الناس من قريش بأسمائهم، فدعا على رعل وذكوان وغيرهم. قال: والأولى أن يقال: أن الله تعالى جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته، فنالها كل منهم في الدنيا إلا نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه: (ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم) (4)، فبقى تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة، وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم، وإنما أراد ردعهم ليتوبوا (5).