وفي إنجيل متى أنه لما حبس يحيى بن زكريا ليقتل، وبعث تلاميذه إلى المسيح وقال لهم: قولوا له: أنت هو الآتي، أو يتوقع غيرك؟ فأجابه المسيح وقال: الحق أقول لكم، أنه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريا، وأن التوراة وكتب الأنبياء يتلو بعضها بعضا بالنبوة والحي حتى جاء يحيى، فأما الآن فإن شئتم فأقبلوا أن ألياهو مزمع أن يأتي، فمن كانت له أذنان سامعتان فليستمع.
قال ابن قتيبة: وليس يخلو هذا الاسم من إحدى خلال: إما أن يكون قال:
إن أحمد مزمع أن يأتي، فغيروا الاسم كما قال تعالى: (يحرفون الكلم عن مواضعه) (1)، وجعلوه إلياهو، وإما أن يكون قال: إن إيل مزمع أن يأتي، وايل هو الله عز وجل، ومجئ الله مجئ رسوله بكتابه، كما قال في التوراة: جاء الله من سيناء، فمعناه: جاء موسى من سيناء بكتاب الله، ولم يأت كتاب بعد المسيح إلا القرآن، وإما أن يكون أراد النبي المسمى بهذا الاسم، وهذا لا يجوز عندهم لأنهم مجمعون على أن لا نبي بعد المسيح.
قال ابن قتيبة: وقد وقع ذكر مكة والبيت والحرم في الكتب المتقدمة فقال في كتاب شعيا: أنه ستمتلي البادية والمدن من قصور قيدار يسبحون، ومن رؤوس الجبال ينادون، ثم الذين يحصلون لله الكرامة، ويبثون تسبيحه في البر والبحر، وقال: ارفع علما بجميع الأمم من بعيد، فيصفر بهم من أقصي الأرض، فإذا هم سراع يأتون.
قال ابن قتيبة: وبنو قيدار هم العرب، لأن قيدار بن إسماعيل بإجماع الناس، والعلم الذي يرفع هو النبوة، والصفير بهم: دعاؤهم من أقاصي الأرض للحج، فإذا هم سراع يأتون، وهو قول الله تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) (2)، وقال في موضع آخر من كتاب