إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ٢٢١
وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى: ﴿لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون﴾ (١)، وإنما يقع القسم بالمعظم وبالمحبوب، قوله: ﴿لعمرك﴾ (2)، أصله ضم العين من العمر ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال، ومعناه: وبقائك يا محمد، وقيل: وحياتك. قال القاضي أبو بكر محمد بن العربي (3): قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله تعالى

(١) الحجر: ٧٢.
(٢) الحجر: ٧٢.
(٣) فيها ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله هنا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفا له، أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون، قالوا: روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، وهذا كلام صحيح.
ولا أدري ما الذي أخرجهم عن ذكر لوط إلى ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، وما الذي يمنع أن يقسم بحياة لوط، ويبلغ به من التشريف ما شاء؟ فكل ما يعطي الله للوط من فضل، ويؤتيه من شرف، فلمحمد صلى الله عليه وسلم ضعفاه، لأنه أكرم على الله منه، أو لا تراه قد أعطي لإبراهيم الخلة، ولموسى التكليم، وأعطى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم، فإذا أقسم الله بحياة لوط، فحياة محمد أرفع، ولا يخرج من كلام إلى كلام آخر غيره لم يجر له ذكر لغير ضرورة.
المسألة الثانية: قوله: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم)، أراد به الحياة والعيش، يقال: عمر، وعمر بضم العين وفتحها لغتان، وقالوا: إن أصلها الضم، ولكنها فتحت في القسم خاصة لكثرة الاستعمال إنما هو غير القسم، فأما القسم فهو بعض الاستعمال، فلذلك صارا لغتين، فتدبروا هذا.
المسألة الثالثة: قال أحمد بن حنبل: من أقسم بالنبي صلى الله عليه وسلم لزمته الكفارة، لأنه أقسم بما لا يتم الإيمان إلا به، فلزمته الكفارة، كما لو أقسم بالله تعالى.
وقدمنا أن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت "، فإن أقسم بغيره فإنه آثم، أو قد أتى مكروها على قدر درجات القسم وحاله.
وقد قال مالك: إن المستضعفين من الرجال والمؤمنين منهم، يقسمون بحياتك وبعيشتك، وليس من كلام أهل الذكر، وإن كان الله أقسم به في هذه القصة، فلذلك بيان لشرف المنزلة، وشرف المكانة، فلا يحمل عليه سواه، ولا يستعمل في غيره.
وقال قتادة: هو من كلام العرب، وبه أقول، لكن الشرع قد قطعه في الاستعمال، ورد القسم إليه. (أحكام القرآن لابن العربي): 3 / 1130 - 1131.
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396