وأما ذكره في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته فقد قال الله جل ذكره: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) (1)، فقوله: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي)، يخرج اليهود والنصارى من عموم قوله: (فسأكتبها للذين يتقون)، ويخصها بأمة محمد (صلى الله عليه وسلم). قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وقوله: (الذي يجدونه)، أي يجدون نعته أو اسمه أو صفته، مكتوبا عندهم. وقوله: (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر)، قال عطاء: يأمرهم بالمعروف بخلع الأنداد ومكارم الأخلاق وصلة الأرحام، (وينهاهم عن المنكر)، عبادة الأصنام وقطع الأرحام، (ويحل لهم الطيبات)، وهو ما كانت العرب تستطيبه، وقيل: هي الشحوم التي حرمت على بني إسرائيل، والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، (ويحرم عليهم الخبائث)، وهو ما كانت العرب تستخبثه، وما كانوا يستحلون من الميتة والدم ولحم الخنزير، (ويضع عنهم إصرهم)، الإصر الثقل، قاله قتادة ومجاهد وسعيد ابن جبير، والإصر: العهد، قاله ابن عباس والضحاك والحسن، فجمعت الآية المعنيين، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال، فوضع بمحمد (صلى الله عليه وسلم) ذلك العهد، وثقل تلك الأعمال من تحريم السبت والشحوم والعروق، والتشديد في البول، ومجانبة الحائض في كل حال، وتحريق الغنائم بالنار.
وقال الزجاج: ذكر الأغلال تمثيل، فقد كان عليهم أن لا يقبل في القتل دية، ولا يعمل في يوم السبت عمل، وأن لا تقبل توبتهم إلا بقتل أنفسهم... إلى غير ذلك.