أبناء جنسه من البشر، وقال صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين (1)، فأخبره الله تعالى بمرتبته، وأنه عليه السلام إذ ذاك صاحب شرع، فإنه قال: كنت نبيا ولم
(1) المعروف أن هذا الحديث بلفظ: " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث "، أخرجه أبو نعيم في (الدلائل)، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن لآل، ومن طريقه الديلمي، كلهم من حديث سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة به مرفوعا. وله شاهد من حديث ميسرة الفجر، بلفظ:
" كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد "، أخرجه أحمد، والبخاري في (التاريخ)، والبغوي، وابن السكن، وغيرهما في (الصحابة)، وأبو نعيم في (الحلية)، وصححه الحاكم، وكذا هو بهذا اللفظ عند الترمذي وغيره عن أبي هريرة: متى كنت أو كتبت نبيا؟ قال: " وآدم "، وذكره وقال الترمذي:
إنه حسن صحيح، وصححه الحاكم أيضا، وفي لفظ: " وآدم منجدل في طينته "، وفي صحيحي ابن حبان والحاكم، من حديث العرباض بن سارية مرفوعا: " إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته ". وكذا أخرجه أحمد، والدارمي في مسنديهما، وأبو نعيموالطبراني، من حديث ابن عباس، قال: قيل: يا رسول الله، متى كتبت نبيا؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد ".
وأما الذي على الألسنة بلفظ " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ". فلم نقف عليه بهذا اللفظ، فضلا عن زيادة: " وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين ". وقد قال شيخنا - الحافظ ابن حجر - في بعض الأجوبة عن الزيادة: إنها ضعيفة، والذي قبلها قوي. (المقاصد الحسنة): 520 - 521، حديث رقم (837).
وقال الزركشي: لا أصل له بهذا اللفظ، قال السيوطي في (الدر): وزاد العوام: " ولا آدم ولا ماء ولا طين "، لا أصل له أيضا، وقال القاري: يعني بحسب مبناه، وإلا فهو صحيح باعتبار معناه. وروى الترمذي أيضا عن أبي هريرة، أنهم قالوا: يا رسول الله، متى وجبت لك النبوة؟ قال:
" وآدم بين الروح والجسد "، وفي لفظ: متى كتبت نبيا؟ قال: " كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد ". وعن الشعبي، قال رجل: يا رسول الله متى استنبئت؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد، حين أخذ مني الميثاق ".
وقال التقي السبكي: فإن قلت: النبوة وصف، لا بد أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد أربعين سنة، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله؟ قلت: جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون بقوله: " كنت نبيا "، إلى روحه الشريفة، أو حقيقته، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعرفها خالقها، ومن أمده بنور آلهي.
ونقل العلقمي عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده مرفوعا أنه قال: " كنت نورا بين يدي ربي عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام. (كشف الخفا ومزيل الإلتباس): 2 / 129، حديث رقم (2007).