إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ٢٤١
فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه (*) إعلم أنه لما ثبتت سيادة رسول الله صلى لله عليه وسلم وأنه إمام الأنبياء والمرسلين وأفضلهم، قيل: فكيف طلب له من أمته من صلاة الله تعالى عليه ما لإبراهيم عليه السلام حين قالوا في صلواتهم: اللهم صل على محمد على وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه؟ فاقتضي هذا أن يكون إبراهيم أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم.

[*] - قال الله عز وجل: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) [٢٥٣: البقرة]، فأخبره بأنه فاوت بينهم في الفضل، فأما الأخبار التي وردت في النهي عن التخيير بين الأنبياء فإنما هي في مجادلة أهل الكتاب في تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على أنبيائهم عليهم السلام، لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين مختلفين لم يؤمن أن يخرج كل واحد منهما في تفضيل من يريد تفضيله إلى الإزراء بالآخر، فيكفر بذلك.
فأما إذا كانت المخايرة من مسلم يريد الوقوف على الأفضل، فيقابل بينهما ليظهر له رجحان الأرجح، فليس هذا بمنهي عنه، لأن الرسل إذا كانوا متفاضلين، وكان فضل الأفضل يوجب له فضل حق، وكان الحق إذا وجب لا يهتدي إلى أداته إلا بعد معرفته، ومعرفة مستحقه كانت إلى معرفة الأفضل حاجة، ووجب أن يكون لله عز وجل عليه دلالة، وطلب العلم المحتاج إليه من قبل إعلامه المنصوبة عليه ليس مما ينكر والله تعالى أعلم. وهذا قول أبو عبد الله الحليمي رحمه الله.
قال البيهقي: ومن تكلم في التفضيل ذكر في مرتب نبينا صلى الله عليه وسلم وخصائصه وجوها لا يحتمل ذكرها بأجمعها هذا الكتاب، ونحن نشير إلى وجه منها على طريق الاختصار.
فمنها: أنه صلى الله عليه وسلم كان رسول الثقلين الإنس والجن، وأنه خاتم الأنبياء.
ومنها: أن شرف الرسول بالرسالة، ورسالته أشرف الرسالات بأنها نسخت ما تقدمها من الرسالات، ولا تأتي بعدها رسالة تنسخها.
ومنها: أن الله تبارك وتعالى أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنه جمع له بين إنزال الملك عليه أو إصعاده إلى مساكن الملائكة، بين إسماعه كلام الملك، وإرائه إياه في صورة التي خلقه عليها، وجمع له بين إخباره عن الجنة والنار وإطلاعه عليهما، وصار العلم له، واقعا بالعالمين، دار التكليف ودار الجزاء عيانا.
ومنها: قتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم.
ومنها: ما أخبره عن خصائصه التي يخصه الله تعالى بها يوم القيامة، وهو المقام المحمود الذي وعده بقوله: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) [٧٩: الإسراء].....
ومنها: أن الله جل ثناؤه لم يخاطبه في القرآن إلا بالنبي أو الرسول، ودعا سائر الأنبياء بأسمائهم، وحين دعا الأعراب نبينا صلى الله عليه وسلم باسمه أو كنيته نهاهم عن ذلك، وقال: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) [63: النور]، وأمرهم بتعظيمه وبتفخيمه، ونهاهم عن التقديم بين يديه، وعن رفع أصواتهم فوق صوته، وعاب من ناداه من وراء الحجرات، إلى غير ذلك مما يطول بشرحه الكتاب، وهو مذكور في كتب أهل الوعظ والتذكير.
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء إعلاما، وقد ذكر بعض المصنفين أن أعلام نبينا صلى الله عليه وسلم تبلغ ألفا.
(دلائل البيهقي): 5 / 491، باب ما جاء في التخيير بين الأنبياء.
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست