السابع والعشرين (1) من ربيع الأول فالتقوا معهم فكسروا المسلمين وولى السلطان هاربا فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقتل جماعة من الأمراء وغيرهم ومن العوام خلق كثير، وفقد في المعركة قاضي قضاة الحنفية (2)، وقد صبروا وأبلوا بلاء حسنا، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا، فولى المسلمون لا يلوي أحد على أحد، ثم كانت العاقبة بعد ذلك للمتقين، غير أنه رجعت العساكر على أعقابها للديار المصرية واجتاز كثير منهم على دمشق، وأهل دمشق في خوف شديد على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ثم إنهم استكانوا واستسلموا للقضاء والقدر، وماذا يجدي الحذر إذا نزل القدر، ورجع السلطان في طائفة من الجيش على ناحية بعلبك والبقاع، وأبواب دمشق مغلقة، والقلعة محصنة والغلاء شديد والحال ضيق وفرج الله قريب، وقد هرب جماعة من أعيان البلد وغيرهم إلى مصر، كالقاضي إمام الدين الشافعي، وقاضي المالكية الزواوي، وتاج الدين الشيرازي، وعلم الدين الصوابي والي البر، وجمال الدين بن النحاس والي المدينة، والمحتسب وغيرهم من التجار والعوام، وبقي البلد شاغرا ليس فيهم حاكم سوى نائب القلعة.
وفي ليلة الأحد ثاني ربيع الأول كسر المحبوسون بحبس باب الصغير الحبس وخرجوا منه على حمية، وتفرقوا في البلد، وكانوا قريبا من مائتي رجل فنهبوا ما قدروا عليه وجاءوا إلى باب الجابية فكسروا أقفال الباب البراني وخرجوا منه إلى بر البلد، فتفرقوا حيث شاؤوا لا يقدر أحد على ردهم، وعاثت الحرافشة في ظاهر البلد فكسروا أبواب البساتين وقلعوا من الأبواب والشبابيك شيئا كثيرا، وباعوا ذلك بأرخص الأثمان، هذا وسلطان التتار قد قصد دمشق بعد الوقعة، فاجتمع أعيان البلد (3) والشيخ تقي الدين بن تيمية في مشهد علي واتفقوا على المسير إلى قازان لتلقيه، وأخذ الأمان منه لأهل دمشق، فتوجهوا يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر فاجتمعوا به عند النبك (4)، وكلمه الشيخ تقي الدين كلاما قويا شديدا فيهم مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين ولله الحمد. ودخل المسلمون ليلتئذ من جهة قازان فنزلوا بالبدرانية وغلقت أبواب البلد سوى باب توما، وخطب الخطيب بالجامع يوم الجمعة، ولم يذكر سلطانا في خطبته، وبعد الصلاة قدم الأمير إسماعيل ومعه جماعة من الرسل فنزلوا ببستان الظاهر عند الطرن. وحضر الفرمان بالأمان وطيف به في البلد، وقرئ يوم السبت ثامن الشهر بمقصورة الخطابة، ونثر شئ من الذهب والفضة.