وخرج الفخري لتلقيهم، فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي، ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الأتراك الأمراء والجند، وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله. وفي يوم الأحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الأمراء يطلبهم إلى الكرك، واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة، فانشرح الناس لذلك.
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الأربعاء التاسع والعشرين، وكان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة، وحضور مجالس الذكر والحديث، له همه وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم، سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة، ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وانتفع به، ودفن بمقابر باب الصغير.
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة، كان قد نودي في الجيش: آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر، ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر، ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الحنفي، ومعه ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري، ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية، وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى، ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولى ووقع ولله الحمد. وفي يوم الأربعاء ثالث عشره دخل الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة، وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله، ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره.
وفي يوم الخميس رابع عشره خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين تخرج من الكرك السعيد، فخرج يومئذ مقدمان: تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة، فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الأمراء، ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة، وخرج معه القضاة الأربعة، وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير.
وتوفي الشيخ الصالح العباد الناسك أحمد بن. الملقب بالقصيدة ليلة الأحد الرابع والعشرين من رمضان، وصلي عليه بجامع شكر، ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي، تغمدهما الله برحمته، وكان فيه صلاح كثير، ومواظبة على الصلاة في جماعة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر مشكورا عند الناس بالخير، وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره، وفيها ايثار وقناعة وتزهد كثير، وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا.