بسوق الخيل، ومن الناس من تعجل بعد أن صلى في الجامع إلى مقابر الصوفية، والناس في بكاء وتهليل في مخافته كل واحد بنفسه، وفي ثناء وتأسف، والنساء فوق الأسطحة من هناك إلى المقبرة يبكين ويدعين ويقلن هذا العالم.
وبالجملة كان يوما مشهودا لم يعهد مثله بدمشق إلا أن يكون في زمن بني أمية حين كان الناس كثيرين، وكانت دار الخلافة، ثم دفن عند أخيه قريبا من أذان العصر على التحديد، ولا يمكن أحد حصر من حضر الجنازة، وتقريب ذلك أنه عبارة عمن أمكنه الحضور من أهل البلد وحواضره ولم يتخلف من الناس إلا القليل من الصغار والمخدرات، وما علمت أحدا من أهل العلم إلا النفر اليسير تخلف عن الحضور في جنازته، وهم ثلاثة أنفس: وهم ابن جملة، والصدر، والقفجاري، وهؤلاء كانوا قد اشتهروا بمعاداته فاختفوا من الناس خوفا على أنفسهم، بحيث إنهم علموا متى خرجوا قتلوا وأهلكهم الناس، وتردد شيخنا الامام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الأيام الثلاثة وكذلك جماعة من علماء الشافعية، وكان برهان الدين الفزاري يأتي راكبا على حماره وعليه الجلالة والوقار رحمه الله.
وعملت له ختمات كثيرة ورئيت له منامات صالحة عجيبة، ورثي بأشعار كثيرة وقصائد مطولة جدا. وقد أفردت له تراجم كثيرة، وصنف في ذلك جماعة من الفضلاء وغيرهم، وسألخص من مجموع ذلك ترجمة وجيزة في ذكر مناقبه وفضائله وشجاعته وكرمه ونصحه وزهادته وعبادته وعلومه المتنوعة الكثيرة المجودة وصفاته الكبار والصغار، التي احتوت على غالب العلوم ومفرداته في الاختيارات التي نصرها بالكتاب والسنة وأفتى بها.
وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء وممن يخطئ ويصيب ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي، وخطأه أيضا مغفور له كما في صحيح البخاري: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " فهو مأجور. وقال الامام مالك بن أنس: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر.
وفي سادس عشرين ذي القعدة نقل تنكز حواصله وأمواله من دار الذهب داخل باب الفراديس إلى الدار التي أنشأها، تعرف بدار فلوس، فسميت دار الذهب، وعزل خزنداره ناصر الدين محمد ابن عيسى، وولي مكانه مملوكه أباجي. وفي ثامن عشرين ذي القعدة جاء إلى مدينة عجلون سيل عظيم من أول النهار إلى وقت العصر، فهدم من جامعها وأسواقها ورباعها ودورها شيئا كثيرا، وغرق سبعة نفر، وهلك للناس شئ كثير من الأموال والغلات والأمتعة والمواشي ما يقارب قيمته ألف ألف درهم (1) وإنا لله وإنا إليه راجعون.