وحاصل ذلك أنه اصطلح مع معاوية على أن يأخذ ما في بيت المال الذي بالكوفة، فوفى له معاوية بذلك فإذا فيه خمسة آلاف ألف، وقيل سبعة آلاف ألف، وعلى أن يكون خراج، وقيل دار ابجرد له في كل عام، فامتنع أهل تلك الناحية عن أداء الخراج إليه، فعوضه معاوية عن كل ستة آلاف ألف درهم في كل عام، فلم يزل يتناولها مع ماله في كل زيارة من الجوائز والتحف والهدايا، إلى أن توفي في هذا العام. وقال محمد بن سعد عن هودة بن خليفة، عن عوف، عن محمد بن سيرين قال: لما دخل معاوية الكوفة وبايعه الحسن بن علي قال أصحاب معاوية لمعاوية:
مر الحسن بن علي أن يخطب، فإنه حديث السن عيي، فلعله يتلعثم فيتضع في قلوب الناس.
فأمره فقام فاختطب فقال في خطبته: " أيها الناس لو اتبعتم بين جابلق وجابرس رجلا جده نبي غيري وغير أخي لم تجدوه، وإنا قد أعطينا بيعتنا معاوية ورأينا أن حقن دماء المسلمين خير من إهراقها، والله ما أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " - وأشار إلى معاوية - فغضب من ذلك وقال: ما أردت من هذه؟ قال: أردت منها ما أراد الله منها. فصعد معاوية وخطب بعده. وقد رواه غير واحد وقدمنا أن معاوية عتب على أصحابه. وقال محمد بن سعد: ثنا أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة عن يزيد قال: سمعت جبير بن نفير الحضرمي يحدث عن أبيه قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة؟ فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثم أثيرها ثانيا من أهل الحجاز. وقال محمد بن سعد: أنا علي بن محمد عن إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم قال:
دخل رجل على الحسن بن علي وهو بالمدينة وفي يده صحيفة فقال: ما هذه؟ فقال: ابن معاوية يعدنيها ويتوعد، قال: قد كنت على النصف منه، قال: أجل ولكن خشيت أن يجئ يوم القيامة سبعون ألفا، أو ثمانون ألفا، أو أكثر أو أقل، تنضح أوداجهم دما، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه. وقال الأصمعي عن سلام بن مسكين عن عمران بن عبد الله. قال: رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه، * (قل هو الله أحد) * ففرح بذلك فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله. قال: فلم يلبث الحسن بن علي بعد ذلك إلا أياما حتى مات. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا عبد الرحمن بن صالح العتكي ومحمد؟؟
عثمان العجلي قالا: ثنا أبو أسامة عن ابن عون عن عمير بن إسحاق. قال: دخلت أنا ورجل آخر من قريش على الحسن بن علي فقام فدخل المخرج ثم خرج فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مرارا وما سقيت مرة هي أشد من هذه. قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن لا تسألني، فقال ما أسألك شيئا يعافيك الله، قال: فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من الغد. وقد أخذ في السوق فجاء حسين حتى قعد عند رأسه، فقال: أي أخي! من صاحبك؟ قال: تريد قتله، قال: نعم! قال لئن كان صاحبي الذي أظن لله أشد نقمة. وفي رواية: فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا، وإن لم يكنه ما أحب أن تقتل بي بريئا. ورواه