الحضرمي، ثنا علي بن المنذر الطريفي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا محمد بن عبد الله أبو رجاء - من أهل تستر - ثنا شعبة بن الحجاج الواسطي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث الأعور أن عليا سأل ابنه - يعني الحسن - عن أشياء من المروءة فقال: يا بني ما السداد؟ قال:
يا أبة السداد دفع المنكر بالمعروف، قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
قال: فما المروءة؟ قال: العفاف واصلاح المرء ماله. قال: فما الدنيئة؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير. قال: فما اللوم؟ قال: احتراز المرء نفسه وبذله عرسه. قال: فما السماحة؟
قال: البذل في العسر واليسر. قال: فما الشح؟ قال: أن ترى ما في يديك سرفا وما أنفقته تلفا. قال: فما الإخاء؟ قال: الوفاء في الشدة والرخاء. قال: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو. قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.
قال: فما الحلم؟ قال كظم الغيظ وملك النفس. قال: فما الغنى؟ قال: رضى النفس بما قسم الله لها وإن قل، فإنما الغنى غنى النفس. قال: فما الفقر؟ قال: شره النفس في كل شئ.
قال: فما المنعة؟ قال: شدة البأس ومقارعة أشد الناس. قال: فما الذل؟ قال: الفزع عند المصدوقية؟ قال: فما الجرأة؟ قال: موافقة الاقران. قال: فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك. قال: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم. قال: فما العقل؟
قال: حفظ القلب كل ما استرعيته. قال: فما الخرق؟ قال: معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك. قال: فما الثناء؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح. قال: فما الحزم؟ قال: طول الأناة، والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم قال: فما الشرف؟ قال:
موافقة الاخوان، وحفظ الجيران. قال فما السفه؟ قال: اتباع الدناة، ومصاحبة الغواة. قال:
فما الغفلة؟ قال: تركك المسجد وطاعتك المفسد. قال: فما الحرمان؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك. قال: فمن السيد؟ قال: الأحمق في المال المتهاون بعرضه، يشتم فلا يجيب المتحرن بأمر العشيرة هو السيد. قال ثم قال علي: يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أفضل من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر، ولا إيمان كالحياء، ورأس الايمان الصبر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه، وآفة العبادة الفترة، وآفة الطرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحب الفخر " ثم قال علي: يا بني لا تستخفن برجل تراه أبدا، فإن كان أكبر منك فعده أباك، وإن كان مثلك فهو أخوك، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ابنك.
فهذا ما سأل علي ابنه عن أشياء من المروءة. قال القاضي أبو الفرج: ففي هذا الخبر من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه، وحفظه ووعاه، وعمل به وأدب نفسه بالعمل عليه، وهذبها بالرجوع إليه، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده. وفيما رواه أمير المؤمنين وأضعافه عن النبي صلى الله عليه وسلم