بالصعيد فلا أحب أن أتولى ذلك منهم، ليتولى ذلك من هو أبعد منهم مني، قال: فبعث البريد إلى مسلم بن عقبة المزني (1) وهو شيخ كبير ضعيف فانتدب لذلك وأرسل معه يزيد عشرة آلاف فارس، وقيل اثنا عشر ألفا وخمسة عشر ألف رجل (2)، وأعطى كل واحد منهم مائة دينار (3) وقيل أربعة دنانير، ثم استعرضهم وهو على فرس له (4)، قال المدائني: وجعل على أهل دمشق عبد الله بن مسعدة الفزاري، وعلى أهل حمص حصين بن نمير السكوني، وعلى أهل الأردن حبيش بن دلجة القيني، وعلى أهل فلسطين روح بن زنباع الجذامي وشريك الكناني، وعلى أهل قنسرين طريف بن الحسحاس الهلالي، وعليهم مسلم بن عقبة المزني من غطفان، وإنما يسميه السلف مسرف بن عقبة. فقال النعمان بن بشير: يا أمير المؤمنين ولني عليهم أكفك - وكان النعمان أخا عبد الله بن حنظلة لامه عمرة بنت رواحة - فقال يزيد لا! ليس لهم إلا هذا الغشمة، والله لأقتلنهم بعد إحساني إليهم وعفوي عنهم مرة بعد مرة. فقال النعمان يا أمير المؤمنين أنشدك الله في عشيرتك وأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال له عبد الله بن جعفر: أرأيت إن رجعوا إلى طاعتك أيقبل منهم؟ قال: إن فعلوا فلا سبيل عليهم، وقال يزيد لمسلم بن عقبة: ادع القوم ثلاثا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منه وكف عنهم، وإلا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثا ثم اكفف عن الناس، وانظر إلى علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا، وأدن مجلسه، فإنه لم يدخل في شئ مما دخلوا فيه، وأمر مسلم إذا فرغ من المدينة أن يذهب إلى مكة لحصار ابن نمير، وقال له: إن حدث بك أمر فعلى الناس حصين بن نمير السكوني. وقد كان يزيد كتب إلى عبيد الله بن زياد أن يسير إلى الزبير فيحاصره بمكة، فأبى عليه وقال: والله لا أجمعهما للفاسق أبدا، أقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغزو البيت الحرام؟ وقد كانت أمه مرجانة قالت له حين قتل الحسين: ويحك ماذا صنعت وماذا ركبت؟ وعنفته تعنيفا شديدا. قالوا: وقد بلغ يزيد أن ابن الزبير يقول في خطبته: يزيد القرود، شارب الخمور، تارك الصلوات، منعكف على القينات. فلما جهز مسلم بن عقبة واستعرض الجيش بدمشق جعل يقول:
أبلغ أبا بكر إذا الجيش سرى * وأشرف الجيش على وادي القرى (5)