العراق، ومفارقة المدينة، فأبى عليه ذلك كله، وطاوع أمر أولئك الامراء من أولئك الخوارج من أهل الأمصار.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة قصد قسطنطين بن هرقل بلاد المسلمين في ألف مركب، فأرسل الله عليه قاصفا من الريح فغرقه الله بحوله وقوته، ومن معه، ولم ينج منهم أحد إلا الملك في شرذمة قليلة من قومه، فلما دخل صقلية عملوا له حماما فقتلوه فيه، وقالوا: أنت قتلت رجالنا.
ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة استهلت هذه السنة وقد تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الخلافة، وولى على الأمصار نوابا، فولى عبيد الله بن عباس على اليمن، وولى سمرة بن جندب (1) على البصرة، وعمارة بن شهاب على الكوفة، وقيس بن سعد بن عبادة على مصر، وعلى الشام سهل بن حنيف بدل معاوية (2) فسار حتى بلغ تبوك فتلقته خيل معاوية، فقالوا: من أنت؟ أمير، قالوا: على أي شئ؟ قال: على الشام، فقالوا: إن كان عثمان بعثك فحي هلا بك، وإن كان غيره فارجع.
فقال: أو ما سمعتم الذي كان؟ قالوا: بلى، فرجع إلى علي. وأما قيس بن سعد فاختلف عليه أهل مصر فبايع له الجمهور، وقالت طائفة: لا نبايع حتى نقتل قتلة عثمان، وكذلك أهل البصرة، وأما عمارة بن شهاب المبعوث أميرا على الكوفة فصده عنها طلحة بن خويلد غضبا لعثمان، فرجع إلى علي فأخبره، وانتشرت الفتنة وتفاقم الامر، واختلفت الكلمة، وكتب أبو موسى إلى علي بطاعة أهل الكوفة ومبايعتهم إلا القليل منهم، وبعث علي إلى معاوية كتبا كثيرة فلم يرد عليه جوابها، وتكرر ذلك مرارا إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر، ثم بعث معاوية طومارا مع رجل (3) فدخل به على علي فقال: ما وراءك؟ قال جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القود كلهم موتور، تركت سبعين ألف (4) شيخ يبكون تحت قميص عثمان، وهو على منبر دمشق، فقال علي: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ثم خرج رسول معاوية من بين يدي علي فهم به أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان يريدون قتله، فما أفلت إلا بعد جهد. وعزم علي رضي الله عنه على قتال أهل الشام، وكتب إلى قيس بن سعد بمصر يستنفر الناس لقتالهم، وإلى أبي موسى