الفريقين، وقتل البراء بن مالك أخو أنس بن مالك يومئذ مائة مبارز سوى من قتل غير ذلك، وكذلك فعل كعب بن ثور، ومجزأة بن ثور، وأبو يمامة (1) وغيرهم من أهل البصرة، وكذلك أهل الكوفة قتل منهم جماعة مائة مبارزة كحبيب بن قرة، وربعي بن عامر، وعامر بن عبد الأسود وقد تزاحفوا أياما متعددة، حتى إذا كان في آخر زحف قال المسلمون للبراء بن مالك - وكان مجاب الدعوة -: يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم لنا. فقال: اللهم اهزمهم لنا، واستشهدني قال:
فهزمهم المسلمون حتى أدخلوهم خنادقهم واقتحموها عليهم، ولجأ المشركون إلى البلد فتحصنوا به، وقد ضاقت بهم البلد، وطلب رجل (2) من أهل البلد الأمان من أبي موسى فأمنه، فبعث يدل المسلمين على مكان يدخلون منه إلى البلد، وهو من مدخل الماء إليها، فندب الامراء الناس إلى ذلك فانتدب رجال من الشجعان والابطال، وجاؤا فدخلوا مع الماء - كالبط - إلى البلد، وذلك في الليل، فيقال كان أول من دخلها عبد الله بن مغفل المزني (3)، وجاؤا إلى البوابين فأناموهم وفتحوا الأبواب، وكبر المسلمون فدخلوا البلد، وذلك في وقت الفجر إلى أن تعالى النهار، ولم يصلوا الصبح يومئذ إلا بعد طلوع الشمس - كما حكاه البخاري عن أنس بن مالك قال: شهدت فتح تستر، وذلك عند صلاة الفجر، فاشتغل الناس بالفتح فما صلوا الصبح إلا بعد طلوع الشمس - فما أحب أن لي بتلك الصلاة حمر النعم. احتج بذلك البخاري لمكحول والأوزاعي في ذهابهما إلى جواز تأخير الصلاة لعذر القتال. وجنح إليه البخاري واستدل بقصة الخندق في قوله عليه السلام " شغلونا عن الصلاة الوسطى ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا (4) " وبقوله يوم بني قريظة " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة (5) " فأخرها فريق من الناس إلى بعد غروب الشمس، ولم يعنفهم، وقد تكلمنا على ذلك في غزوة الفتح.
والمقصود أن الهرمزان لما فتحت البلد لجأ إلى القلعة فتبعه جماعة من الابطال ممن ذكرنا وغيرهم فلما حصروه في مكان من القلعة ولم يبق إلا تلافه أو تلافهم، قال لهم بعد ما قتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور رحمهما الله: إن معي جعبة فيها مائة سهم، وإنه لا يتقدم إلي أحد منكم إلا رميته بسهم قتلته. ولا يسقط لي سهم إلا في رجل منكم، فماذا ينفعكم إن أسرتموني بعدما قتلت منكم مائة رجل؟ قالوا: فماذا تريد؟ قال: تؤمنوني حتى أسلمكم يدي فتذهبوا بي إلى عمر بن