أهل الشورى على عثمان لثلاث خلون من المحرم سنة أربع وعشرين، وقد دخل وقت العصر وقد أذن مؤذن صهيب، واجتمع الناس بين الأذان والإقامة فخرج فصلى بهم العصر. وقال سيف عن خليفة بن زفر ومجالد قالا: استخلف عثمان لثلاث خلون من المحرم سنة ثلاث وعشرين فخرج فصلى بالناس العصر، وزاد الناس - يعني في أعطياتهم - مائة، ووفد أهل الأمصار، وهو أول من صنع ذلك. قلت: ظاهر ما ذكرناه من سياق بيعته يقتضي أن ذلك كان قبل الزوال، لكنه لما بايعه الناس في المسجد ذهب به إلى دار الشورى على ما تقدم فيها من الخلاف، فبايعه بقية الناس، وكأنه لم يتم البيعة إلا بعد الظهر وصلى صهيب يومئذ الظهر في المسجد النبوي وكان أول صلاة صلاها الخليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان بالمسلمين صلاة العصر، كما ذكره الشعبي وغيره. وأما أول خطبة خطبها بالمسلمين فروى سيف بن عمر عن بدر بن عثمان عن عمه قال لما بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة فأتى منبر النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، فلقد أتيتم صبحتم أو مسيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، واعتبروا بمن مضى ثم جدوا ولا تغفلوا [فإنه لا يغفل عنكم] (1). أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلا؟ ألم تلفظهم؟
ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب لها مثلا، بالذي هو خير فقال تعالى * (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا، المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) * [الكهف: 45] قال: وأقبل الناس يبايعونه.
قلت وهذه الخطبة: إما بعد صلاة العصر يومئذ، أو قبل الزوال وعبد الرحمن بن عوف جالس في رأس المنبر وهو الأشبه والله أعلم. وما يذكره بعض الناس من أن عثمان لما خطب أول خطبة ارتح عليه فلم يدر ما يقول حتى قال: أيها الناس، إن أول مركب صعب [وإن بعد اليوم أياما] (2)، وإن أعش فستأتيكم الخطبة على وجهها، فهو شئ يذكره صاحب العقد وغيره، ممن يذكر طرف الفوائد، ولكن لم أر هذا بإسناد تسكن النفس إليه والله أعلم.
وأما قول الشعبي إنه زاد الناس مائة مائة - يعني في عطاء كل واحد من جند المسلمين - زاده على ما فرض له عمر مائة درهم من بيت المال وكان عمر قد جعل لكل نفس من المسلمين في كل ليلة من رمضان درهما من بيت المال يفطر عليه، ولأمهات المؤمنين درهمين درهمين، فلما ولى عثمان أقر ذلك وزاده، واتخذ سماطا في المسجد أيضا للمتعبدين، والمعتكفين، وأبناء السبيل،