ويقال إن أول من قتل من المسلمين يومئذ شهيدا رجل جاء إلى أبي عبيدة فقال: إني قد تهيأت لامري فهل لك من حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، تقرئه عني السلام وتقول: يا رسول الله إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا. قال: فتقدم هذا الرجل حتى قتل رحمه الله. قالوا:
وثبت كل قوم على رايتهم حتى صارت الروم تدور كأنها الرحا. فلم تر يوم اليرموك (إلا) مخا ساقطا، ومعصما نادرا، وكفا طائرة من ذلك الموطن. ثم حمل خالد بمن معه من الخيالة على الميسرة التي حملت على ميمنة المسلمين فأزالوهم إلى القلب فقتل من الروم في حملته هذه ستة آلاف منهم ثم قال: والذي نفسي بيده لم يبق عندهم من الصبر والجلد غير ما رأيتم، وإني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم. ثم اعترضهم فحمل بمائة فارس معه على نحو من مائة ألف فما وصل إليهم حتى انفض جمعهم، وحمل المسلمون عليهم حملة رجل واحد، فانكشفوا وتبعهم المسلمون لا يمتنعون منهم.
قالوا: وبينما هم في جولة الحرب وحومة الوغى والابطال يتصاولون من كل جانب، إذ قدم البريد من نحو الحجاز فدفع إلى خالد بن الوليد فقال له: ما الخبر؟ فقال له - فيما بينه وبينه -: إن الصديق رضي الله عنه قد توفي واستخلف عمر، واستناب على الجيوش أبا عبيدة عامر بن الجراح. فأسرها خالد ولم يبد ذلك للناس لئلا يحصل ضعف ووهن في تلك الحال، وقال له والناس يسمعون: أحسنت، وأخذ منه الكتاب فوضعه في كنانته واشتغل بما كان فيه من تدبير الحرب والمقاتلة، وأوقف الرسول الذي جاء بالكتاب - وهو منجمة (1) بن زنيم - إلى جانبه. كذا ذكره ابن جرير بأسانيده.
قالوا وخرج جرجه أحد الامراء الكبار من الصف واستدعى خالد بن الوليد فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجه: يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد (2) إلا هزمتهم؟ قال: لا! قال: فبم سميت سيف الله؟
قال: إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه (3)، فقال لي: أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين. ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين.
فقال جرجه: يا خالد إلى ما تدعون؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده