ففطنوا ولم يفطن عمر، فقالوا: إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا، فنادي في الناس، وخرج معه العباس ماشيا فخطب وأوجز وصلى، ثم جثا لركبتيه وقال: اللهم عجزت عنا أنصارنا، وعجز عنا حولنا وقوتنا، وعجزت عنا أنفسنا ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم فاسقنا وأحي العباد والبلاد! وأخذ بيد العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن دموع العباس لتتحادر على لحيته فقال: اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم وبقية آبائه وأكبر رجاله، فإنك تقول وقوله الحق: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة) فحفظتهما بصلاح آبائهما فاحفظ اللهم نبيك صلى الله عليه وسلم في عمه فقد دلونا به إليك مستشفعين مستغفرين. ثم أقبل على الناس فقال: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا).
وكان العباس قد طال عمره وعيناه تذرفان ولحيته تجول علن صدره وهو يقول: اللهم أنت الراعي فلا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد صرخ الصغر، ورق الكبير وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغنهم بغناك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس إلا القوم الكافرون. فنشأت طريرة من سحاب، فقال الناس: ترون ترون ثم التأمت، ومشط فيها ريح، ثم هدأت ودرت، فوالله ما تروحوا حتى اعتنقوا الجدار وقلصوا المآزر، فطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون: هنيئا لك ساقي الحرمين، فقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب:
بعمي سقى الله الحجاز وأهله * عشية يستسقي بشيبته عمر