عزمت علن قطع هذا البحر إليهم.
فقالوا جميعا: عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل فندب الناس إلى العبور وقال: من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكي لا يمنعوهم من العبور؟ فانتدب له عاصم بن عمرو ذو الباس في ستمائة من أهل النجدات فاستعمل عليهم عاصما فقدمهم عاصم في ستين فارسا وجعلهم على خير ذكور لإناث ليكون أسلس لسباحة الخيل، ثم اقتحموا دجلة. فلما رآهم الأعاجم وما صنعوا أخرجوا للخيل التي تقدمت مثلها فاقتحموا عليهم دجلة فلقوا عاصما وقد دنا من الفراض فقال عاصم: الرماح الرماح أشرعوها وتوخوا العيون فالتقوا فاطعنوا وتوخى المسلمون عيونهم فوتوا، ولحقهم المسلمون فقتلوا أكثرهم، ومن نجا منهم صار أعور من الطعن، وتلاحق الستمائة بالستين غير متعتعين.
ولما رأى سعد عاصما على الفراض قد منعها أذن للناس في الاقتحام، وقال: قولوا: نستعين بالله ونتوكل عليه حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليه، وليظهرن دينه، وليهز من عدوه [لا حول] ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وتلاحق الناس في دجلة وإنهم يتحدثون كما يتحدثون في البر، وطبقوا دجلة حتى ما يري من الشاطئ شئ وكان الذي يساير سعدا، سلمان الفارسي فعامت بهم خيولهم وسعد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليه وليظهرن دينه وليهزمن عدوه إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات. فقال له سلمان: الاسلام جديد ذللت لهم البحور كما ذلل لهم البر، أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا، فخرجوا منه كما قال سلمان لم يفقدوا شيئا،