قال الفضل: فأخرجته حتى جلس على المنبر [ثم قال ناد بالناس فاجتمعوا إليه] فحمد الله، وكان أول ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أن صلن على أصحاب أحد فأكثر واستغفر لهم، ثم قال: أيها الناس ان قد دنا مني حقوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضا، فهذا عرضي فليستقد منه، ومن أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ولا يخش الشحناء من قبلي فإنها ليست من شأني. ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقا إن كان له أو حللني فلقيت ربي وأنا طيب النفس. ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع إلى المنبر فعاد لمقالته الأولى فادعى عليه رجل بثلاثة دراهم فأعطاه عوضها، ثم قال: أيها الناس من كان عنده شيء فليؤده ولا يقل فضوح الدنيا ألا وإن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة. ثم صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم، ثم قال: إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده. فبكى أبو بكر وقال: فديناك بأنفسنا وآبائنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبقين في المسجد باب إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم أحدا أفضل في الصحبة عندي منه، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام. ثم أوصى بالأنصار فقال: يا معشر المهاجرين أصبحتم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد. والأنصار عيبتي التي أويت إليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
قال ابن مسعود: نعى إلينا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت عائشة فنظر إلينا فشدد ودمعت عيناه، وقال: مرحبا بكم، حياكم الله، رحمكم الله، آواكم الله، حفظكم الله، رفعكم الله،