المستعين بنفيه إلى برقة وذلك سنة 348 فصار إلى الإسكندرية من بلاد مصر رأى حمرة الشمس على علو المنارة التي بها وقت المغيب فقدر انه يلزمه ان لا يفطر إذ كان صائما أو تغرب الشمس من جميع أقطار الأرض وذهب عليه ان الله عز وجل انما فرض على كل قوم ان يصوموا إلى أن تغيب الشمس في بلدهم لان مغيبها يختلف بحسب اختلاف البلدان فيكون مغيبها في بلاد المشرق قبل مغيبها في بلدان المغرب كما كان طلوعها في المشرق قبل طلوعها في المغرب لما قدمناه من أقاويل المنجمين في ذلك، ويجوز ان يكون ذلك لأسباب استأثر الله بغيبها، فامر عبيد الله انسانا ان يصعد إلى أعالي منارة الإسكندرية ومعه حجر وان يتأمل موضع سقوط قرص الشمس فإذا سقطت رمى بالحجر ففعل الرجل ذلك فوصل الحجر إلى قرار الأرض بعد صلاة العشاء الآخرة فجعل إفطاره بعد صلاة العشاء الآخرة فيما بعد إذا صام في مثل ذلك الوقت وكان عند رجوعه إلى سر من رأى لا يفطر الا بعد العشاء الآخرة وعنده ان هذا فرضه، وان الوقتين متساويان وهذا غاية ما يكون من قلة العلم بالفرض ومجاري امر الشرق والغرب وقد ذكر أرسطاطاليس في كتاب الآثار العلوية ان بناحية المشرق الصيفي جبلا شامخا جدا وان من علامة ارتفاعه ان الشمس لا تغيب عنه إلى ثلاث ساعات من الليل وتشرق عليه قبل الصبح بثلاث ساعات ومنارة الإسكندرية إحدى * بنيان العالم العجيب، بناها بعض البطلميوسين من ملوك اليونانيين بعد وفاة الإسكندر بن فيلبس الملك، لما كان بينهم وبين ملوك رومية من الحروب في البر والبحر، فجعلوا هذه المنارة مرقبا في أعاليها مرآة عظيمة من نوع الأحجار المشفة يشاهد منها مراكب البحر إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز الابصار عن ادراكها، فكانوا يراعون ذلك في تلك المرآة فيستعدون لهم قبل مرورهم
(٤٢)