وأما أهل الربع الشمالي، وهم الذين بعدت الشمس عن سمتهم من الواغلين في الشمال كالصقالبة والافرنجة ومن جاورهم من الأمم، فان سلطان الشمس ضعف عندهم لبعدهم عنها فغلب على نواحيهم البرد والرطوبة وتواترت الثلوج عندهم والجليد، فقل مزاج الحرارة فيهم فعظمت أجسامهم وجفت طبائعهم وتوعرت أخلاقهم وتبلدت أفهامهم وثقلت ألسنتهم، وابيضت ألوانهم حتى أفرطت فخرجت من البياض إلى الزرقة ورقت جلودهم وغلظت لحومهم، وازرقت أعينهم أيضا، فلم تخرج من طبع ألوانهم وسبطت شعورهم، وصارت صهبا لغلبة البخار الرطب ولم يكن في مذاهبهم متانة وذلك لطباع البرد وعدم الحرارة ومن كان منهم أوغل في الشمال فالغالب عليه الغباوة والجفاء والبهائمية وتزايد ذلك فيهم في الأبعد فالأبعد إلى الشمال، وكذلك من كان من الترك واغلا في الشمال فلبعدهم من مدار الشمس في حال طلوعها وغروبها كثرت الثلوج فيهم وغلبت البرودة والرطوبة على مساكنهم، فاسترخت أجسامهم وغلظت ولانت فقارات ظهورهم وخرز أعناقهم، حتى تأتى لهم الرمي بالنشاب في كرهم وفرهم وغارت مفاصلهم لكثرة لحومهم فاستدارت وجوههم وصغرت أعينهم لاجتماع الحرارة في الوجه حين تمكنت البرودة من أجسادهم إذ كان المزاج البارد يولد دما كثيرا، واحمرت ألوانهم إذ كان من شأن البرودة جمع الحرارة واظهارها وأما من كان خارجا عن هذا العرض إلى نيف وستين ميلا يأجوج ومأجوج، وهم في الإقليم السادس فإنهم في عداد البهائم.
وأما أهل الربع الجنوبي كالزنج وسائر الأحباش، والذين كانوا تحت خط الاستواء وتحت مسامتة الشمس، فإنهم بخلاف تلك الحال من التهاب الحرارة وقلة الرطوبة، فاسودت ألوانهم واحمرت أعينهم وتوحشت نفوسهم وذلك لالتهاب هوائهم وإفراط الأرحام في نضجهم حتى احترقت ألوانهم وتفلفلت شعورهم